الحارث بن اسد المحاسبي


تفسير

رقم الحديث : 15093

أَخْبَرَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ نُصَيْرٍ فِي كِتَابِهِ , وَحَدَّثَنِي عَنْهُ عُثْمَانُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، قَالَ : سَمِعْتُ الْجُنَيْدَ بْنَ مُحَمَّدٍ ، يَقُولُ : سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ الْحَارِثَ بْنَ أَسَدٍ ، يَقُولُ وَسَأَلَهُ سَائِلٌ : إِنَّ النِّعَمَ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيَّ لا تُحْصَى ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً ، وَعَامَّةً وَخَاصَّةً ، صَغِيرَةً وَكَبِيرَةً ، فِي كُلِّ أَحْوَالِي وَمَعَ كُلِّ أَسْبَابِي ، وَمَعَ كُلِّ شَيْءٍ مِنْ بَدَنِي وَجَوَارِحِي ، وَعَقْلِي وَطَبْعِي ، وَحَيَاتِي وَعَيْشِي ، وَكُلُّ مَا أَتَقَلَّبُ فِيهِ وَكُلُّ مَنْفَعَةٍ تَحْدُثُ فِي دِينِي وَدُنْيَايَ وَكُلِّ لَيْلٍ وَنَهَارٍ يَخْتَلِفُ عَلَيَّ ، وَشَمْسٌ وَقَمَرٌ وَسَائِرُ الأَشْيَاءِ نِعَمٌ عَلَيَّ إِلا أَنِّي أَجِدُنِي فِي أَكْثَرِهَا غَافِلا عَنْ شُكْرِهِ عَلَيْهَا إِلا النِّعْمَةَ الْعَظِيمَةَ كَالْكرْبِ يَنْزِلُ بِي فَيُفَرِّجُ اللَّهُ عَنِّي كَرْبِي وَيُنَفِّسُ عَنِّي غَمِّي وَكَالْمَالِ الْكَثِيرِ يَرْزُقَنِي ، فَإِنْ عَظُمَتِ النِّعْمَةُ انْتَبَهْتُ لَعَظِيمِ قَدْرِهَا وَمَوْقِعِ مَنْفَعَتِهَا لِي فَانْتَبَهْتُ لِلشُّكْرِ وَذَكَرْتُ أَنَّهَا مِنَ اللَّهِ تَفَضُّلٌ وَحَمِدْتُهُ عَلَيْهَا وَسَائِرِ النِّعَمِ لِقِلَّةِ قَدْرِهَا أَنْسَى أَنَّهَا نِعْمَةٌ ، فَإِنْ ذَكَرْتُ أَنَّهَا نِعْمَةٌ ذَكَرْتُهَا ذِكْرًا بِغَيْرِ تَعْظِيمٍ لَهَا وَلَمْ تَهِجْ شِدَّةُ الشُّكْرِ عَلَيْهَا حَتَّى لَقَدْ نَسِيتُ الشُّكْرَ عِنْدَ أَكْثَرِ النِّعَمِ إِلا عِنْدَ الْفَرَجِ مِنَ الْكُرَبِ أَوِ النِّعْمَةِ الْعَظِيمَةِ فِي الْمَنْفَعَةِ ، فَقَالَ الْحَارِثُ : " هَذَا فِعْلُ عَامَّةِ الْعِبَادِ مِنَ الْجَاهِلِينَ يُعَامِلُونَ اللَّهَ عَلَى قَدْرِ عَظِيمِ إِحْسَانِهِ وَقِلَّتِهِ وَإِنَّ أَكْثَرَ مَا قَلَّ مِنَ النِّعَمِ لَرُبَّمَا كَانَ أَكْثَرَ مَنْفَعَةً مِنْ عَظِيمِهَا وَرُبَّمَا كَانَ عَظِيمُهَا يُعَقِّبُ ضِرَارًا فِي الدِّينِ أَوْ فِي الدُّنْيَا وَلَرُبَّمَا كَانَ إِحْسَانُ اللَّهِ فِي النِّعْمَةِ الصَّغِيرَةِ أَكْثَرُ مِنَ النِّعْمَةِ فِي كَبِيرِهَا لِعَاقِبَةِ مَنْفَعَتِهَا لَرُبَّمَا عَظُمَتِ النِّعْمَةُ مِنْ سَعَةِ الدُّنْيَا فَيَطْغَى صَاحِبُهَا وَتَشْغَلُهُ حَتَّى يَعْصِيَ اللَّهَ فَيَدْخُلَ النَّارَ ، وَلَوْ كَانَتِ النِّعْمَةُ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ لَمَا أَطْغَتْهُ وَلا أَلْزَمَتْهُ كَثْرَةَ الْفَرَائِضِ فِيهَا فَلا يَقُومُ بِهَا كَمَنْ كَثُرَتِ الْحُقُوقُ عَلَيْهِ لِلَّهِ فِي السَّعَةِ فَلَمْ يَقُمْ بِحَقِّهِ مِنْ أَدَاءِ الزَّكَاةِ فِي مَوَاضِعِهَا بِغَيْرِ مُكَافَأَةٍ لِيَدِ الْفَقِيرِ عِنْدَهُ وَلا اجْتِلابِ حَمْدٍ وَلا ثَنَاءٍ وَلا مَخَافَةِ ذَمٍّ ، وَكَذَلِكَ صِلَةُ الْقَرَابَةِ وَالْجَارِ وَالْمُحْتَاجِ الْبَيِّنِ حَاجَتُهُ وَغَيْرِ ذَلِكَ ، وَرُبَّمَا ضَرَّتْهُ السَّعَةُ فِي الدُّنْيَا دُونَ الدِّينِ ، وَرُبَّمَا قَتَلَهُ كَثْرَةُ مَالِهِ مِنْ لُصُوصٍ يَقْتُلُونَهُ عَلَيْهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ ، طَيِّبُ الطَّعَامِ كَثْرَتُهُ قَدْ تَضُرُّهُ حَتَّى تُوَرِّثَهُ الأَوْجَاعَ وَالسَّقَمَ ، وَكَذَلِكَ يُوهَبُ لَهُ الْوَلَدُ الذَّكَرُ فَيَعْصِي اللَّهَ فِيهِ وَرُبَّمَا ضَرَّهُ فِي الدُّنْيَا وَغَمَّهُ بِمَا يُصِيبُهُ مِنَ الأَسْقَامِ وَرُبَّمَا كَبِرَ حَتَّى يُلْجِئَهُ إِلَى الاخْتِلافِ إِلَى السُّجُونِ وَمُخَاصَمَةِ الْجِيرَانِ فِيهِ أَوْ عَدَاوَتِهِمْ وَكَذَلِكَ يَكُونُ فِي الْكَرْبِ الشَّدِيدِ مِنَ الْمَرَضِ ، أَوْ بِمَنْ يَعْنِيهِ أَمَرُهُ مِنْ وَلَدٍ وَأَهْلٍ فَيَكْثُرُ دُعَاؤُهُ وَتَضَرُّعُهُ وَيَتَصَدَّقُ وَيَخْشَعُ قَلْبُهُ فَإِذَا فَرَّجَ عَنْهُ وَعَادَ إِلَى الْعَافِيَةِ رَجَعَ إِلَى اللَّهْوِ وَالشَّهْوَةِ وَالْعِصْيَانِ وَقَلَّ تَضَرُّعُهُ إِلَى اللَّهِ فَكَانَ الْمَرَضُ أَصْلَحَ لِقَلْبِهِ وَأَوْفَرَ لِدِينِهِ وَكَانَتِ الْعَافِيَةُ إِنِ اسْتَعْمَلَهَا فِيمَا يَضُرُّهُ فِي دِينِهِ أَضَرَّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَرَضِ وَكَفَاكَ بِعِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى فِي ابْنِ آدَمَ وَوَصَفِهِ لَهُ ، إِذْ يَقُولُ : وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الإِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعَاءٍ عَرِيضٍ سورة فصلت آية 51 ، وَقَالَ : وَإِذَا مَسَّ الإِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ سورة يونس آية 12 ، وَمَثَلُ ذَلِكَ فِي كِتَابِ اللَّهِ كَثِيرٌ ، فَإِنَّمَا أَتَيْتَ أَنَّكَ نَظَرْتَ إِلَى قَدْرِ النِّعَمِ عِنْدَ وُرُودِهَا عَلَيْكَ وَلَمْ تَنْظُرْ فِي عَوَاقِبِهَا فِي دِينِكَ وَدُنْيَاكَ مَا تَكُونُ فِي الْعَاقِبَةِ أَتَضُرُّ أَمْ تَنْفَعُ ؟ أَلَمْ تَسْمَعْ قَوْلَ اللَّهِ : آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا سورة النساء آية 11 ، وَاللَّهِ مَا تَدْرِي إِذَا وَرَدَتِ النِّعَمُ عَلَيْكَ أَيُّهَا أَنْفَعُ لَكَ ، أَقَلِيلُهَا أَمْ كَثِيرُهَا ؟ فَإِذَا وَرَدَتْ عَلَيْكَ النِّعْمَةُ فَاحْمَدِ اللَّهَ الَّذِي مَنَّ بِهَا وَكُنْ مُشْفِقًا مِنْ أَدْنَى السَّلامَةِ مِنْهَا فِي دِينِكَ وَدُنْيَاكَ فَإِنْ كَانَتْ صَغِيرَةً فَاسْتَصْغَرَهَا قَلْبُكَ فَاذْكُرْ عَاقِبَتَهَا وَخِيَرَةَ اللَّهِ فِيهَا فَلَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يَكُونَ قَدْ خَارَ لَكَ فِيهَا وَنَظَرَ لَكَ بِأَنْ قَلَّلَهَا وَلَمْ يَجْعَلْهَا أَعْظَمَ مِمَّا هِيَ لَعَلَّهُ قَدْ عَلِمَ أَنَّهَا لَوْ عَظُمَتْ وَزَادَكَ مِنْهَا أَنَّكَ تَعْصِي بِهَا فَيَغْضَبُ عَلَيْكَ أَوْ تطغيُكَ فِي دُنْيَاكَ ، أَوْ تُوَرِّثُكَ ضَرَرًا فِي دِينِكَ ، أَلا تَرَى أَنَّكَ تَعْمَلُ بِظَاهِرِ النِّعَمِ ، وَتَنْسَى عَوَاقِبَهَا وَقَدْ تَبَيَّنْتَ عَوَاقِبَهَا بِالتَّجَارِبِ فِيكَ وَفِي غَيْرِكَ مِنْ كَثِيرِ الضَّرَرِ فِي عَظِيمِهَا ، وَكَثْرَةِ السَّلامَةِ فِي أَكْثَرِ مَا صَغُرَ مِنْهَا ؟ وَاللَّهِ لَقَدْ بَيَّنَ لَكَ مَوْلاكَ أَنَّ كَثِيرًا مِنْهَا كَانَ زَوَالُهَا نِعْمَةً عَظِيمَةً مِنَ اللَّهِ عَلَى مَنْ زَالَتْ عَنْهُ وَأَنَّ بَقَاءَهَا بَلِيَّةٌ عَلَيْهِ ، مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الْغُلامَ الَّذِي قَتَلَهُ الْخَضِرُ عَلَيْهِ السَّلامُ قَدْ كَانَ نِعْمَةً فِي الظَّاهِرِ عَظَمَةَ غُلامٍ ذَكَرٍ ، وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ الْخَضِرَ مَرَّ مَعَ مُوسَى عَلَيْهِمَا السَّلامُ بِعَشَرَةِ غِلْمَانٍ ، فَأَخَذَ غُلامًا أَضْوؤُهُمْ ، وَأَحْسَنُهُمْ وَجْهًا فَقَطَفَ وَجْهَهُ فَأَخْبَرَكَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ بِعَوَاقِبِ ضَرَرِ النِّعَمِ ، وَبِمَنَافِعِ عَوَاقِبِهَا ، فَقَالَ : وَأَمَّا الْغُلامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا سورة الكهف آية 80 ، فَصَرَفَ عَنْهُمَا بِقَتْلِهِ إِيَّاهُ أَنْ يَدْخُلا النَّارَ ، وَقَدْ قَالَ مُجَاهِدٌ : قَدْ عَلِمْنَا أَنَّ أَبَوَيْهِ قَدْ فَرِحَا بِهِ حِينَ وُلِدَ وَحَزِنَا عَلَيْهِ حِينَ قُتِلَ ، وَكَانَ فِي بَقَائِهِ هَلَكَتُهُمَا ، وَكَذَلِكَ قَلَعَ الْخَضِرُ لَوْحًا مِنَ السَّفِينَةِ فِي لُجَجِ الْبَحْرِ ، وَكَانَ عِنْدَ أَصْحَابِهَا أَنَّ فِيَ ذَلِكَ الْغَرَقَ ، وَقَدْ قَالَ مُوسَى : أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا سورة الكهف آية 71 ، وَإِنَّمَا خَرَقَهَا لِيَنْجُوَ أَهْلُهَا أَنْ لا تَمُرَّ بِالْمَلِكِ الْغَاصِبِ فَيَرَاهَا صَحِيحَةً فَيَأْخُذَهَا فَالْغُلامْ قَتْلُهُ خِيَرَةٌ فِي الدِّينِ ، وَالسَّفِينَةُ خَرْقُهَا خِيَرَةٌ فِي الدُّنْيَا ، فَبِهَذَا فَاسْتُدِلَّ أَنَّ النَّعَمَ لَيْسَتْ فِي الْمَنَافِعِ عَلَى قَدْرِ عِظَمِهَا وَصِغَرِهَا ، لأَنَّ الْغُلامَ لَوْ كَانَ ابْنَةً لَمْ يُخْشَ عَلَيْهِ عَاقِبَةُ طُغْيَانِ أَبَوَيْهِ فِيهَا ، وَمِمَّا يُبَيِّنُ لَكَ هَذَا قَوْلِهِ تَعَالَى : فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا سورة الكهف آية 81 ، قِيلَ : التَّفْسِيرُ رُزِقَا ابْنَةً تَزَوَّجَهَا نَبِيٌّ وَخَرَجَ مِنْ نَسْلِهَا سَبْعُونَ نَبِيًّا " .

الرواه :

الأسم الرتبة