الحارث بن اسد المحاسبي


تفسير

رقم الحديث : 15094

أَخْبَرَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ نُصَيْرٍ فِي كِتَابِهِ , وَحَدَّثَنِي عَنْهُ عُثْمَانُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، قَالَ : سَمِعْتُ الْجُنَيْدَ بْنَ مُحَمَّدٍ ، يَقُولُ : سُئِلَ الْحَارِثُ بْنُ أَسَدٍ ، عَنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى : وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ سورة المائدة آية 23 ، وَعَنْ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لَوْ تَوَكَّلْتُمْ عَلَى اللَّهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ لَرَزَقَكُمْ كَمَا يَرْزُقُ الطَّيْرَ تَغْدُو خِمَاصًا وَتَرُوحُ بِطَانًا " ، مَا السَّبِيلُ أَكْرَمَ اللَّهُ وَجْهَكَ إِلَى هَذَا التَّوَكُّلِ الَّذِي نَدَبَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ إِلَيْهِ ؟ صِفْ لِي كَيْفَ هُوَ ؟ وَكَيْفَ دُخُولُ النَّاسِ فِيهِ ؟ فَقَالَ الْحَارِثُ رَحِمَهُ اللَّهُ : " النَّاسُ يَتَفَاوَتُونَ فِي التَّوَكُّلِ ، وَتَوَكُّلُهُمْ عَلَى قَدْرِ إِيمَانِهِمْ وَقُوَّةِ عُلُومِهْمِ ، قِيلَ : مَا مَعْنَى قُوَّةِ إِيمَانَهُمْ ؟ قَالَ : تَصْدِيقُهُمْ لِلْعِدَةِ وَثِقَتُهُمْ بِالضَّمَانِ ، قِيلَ : فَمِنْ أَيْنَ فُضِّلَتِ الْخَاصَّةُ مِنْهُمْ عَلَى الْعَامَّةِ وَالتَّوَكُّلُ فِي اعْتِقَادِ الإِيمَانِ مَعَ كُلِّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ ؟ قَالَ : الَّذِي فُضِّلَتْ بِهِ الْخَاصَّةُ عَلَى الْعَامَّةِ دَوَامُ سُكُونِ الْقَلْبِ عَنِ الاضْطِرَابِ وَالْهُدُوءُ عَنِ الْحَرَكَةِ فَعِنْدَهَا يَا فَتَى اسْتَرَاحُوا مِنْ عَذَابِ الْحِرْصِ وَفَلُّوا مِنْ أَسْرِ الطَّمَعِ ، وَخَرَجُوا مِنْ ضِيقِ طُولِ الأَمَلِ ، قِيلَ : فَمَا الَّذِي وَلَّدَ هَذَا ؟ قَالَ : حالتانِ : الأُولَى مِنْهُمَا دَوَامُ لُزُومِ الْقَلْبِ الْمَعْرِفَةَ وَالاعْتِمَادَ عَلَى اللَّهِ وَتَرْكَ الْحِيَلِ ، وَالثَّانِيَةُ كَثْرَةُ الْمُمَارَسَةُ حَتَّى يَأْلَفَهَا إِلْفًا وَيَخْتَارَهَا اخْتِيَارًا ، قِيلَ : فَالتَّوَكُّلُ فِي نَفْسِهِ مَا هُوَ ؟ وَمَا مَعْنَاهُ ؟ قَالَ : قَدِ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِيهِ ، قِيلَ لَهُ : اخْتَصِرْ مِنْهُ جَوَابًا مُوجَزًا ، قَالَ : نِعْمُ ، التَّوَكُّلُ هُوَ الاعْتِمَادُ عَلَى اللَّهِ بِإِزَالَةِ الطَّمَعِ مِنْ سِوَى اللَّهِ ، وَتَرْكُ تَدْبِيرِ النُّفُوسِ فِي الأَغْذِيَةِ ، وَالاسْتِغْنَاءُ بِالْكِفَايَةِ ، وَمُوَافَقَةُ الْقَلْبِ لِمُرَادِ الرَّبِّ ، وَالْقُعُودُ فِي طَلَبِ الْعُبُودِيَّةِ ، وَاللَّجْأُ إِلَى اللَّهِ ، قِيلَ : فَهَلْ يَلْحَقُ التَّوَكُّلَ الأَطْمَاعُ ؟ قَالْ : يَلْحَقُهُ الأَطْمَاعُ مِنْ طَرِيقِ الطِّبَاعِ خَطَرَاتٍ ، وَلا يَضُرُّهُ ذَلِكَ شَيْئًا ، قِيلَ : فَمَا الَّذِي يُقَوِّيهِ عَلَى إِسْقَاطِ الطَّمَعِ ؟ قَالَ : الْيَأْسَ مِمَّا فِي أَيْدِي النَّاسِ حَتَّى يَكُونَ بِمَا مَعَهُ مِنَ الثِّقَةِ بِمَا وَعْدَهُ سَيِّدُهُ أَغْنَى مِمَّنْ يَمْلِكُ الدُّنْيَا بِحَذَافِيرِهَا ، كَمَا قِيلَ لأَبِي حَازِمٍ : أَلَكَ مَالٌ ؟ قَالَ : أَكْثَرُ الْمَالِ ثِقَتِي بِرَبِّي وَيَأْسِي مِمَّا فِي أَيْدِي النَّاسِ ، وَكَانَ أَبُو حَازِمٍ ، يَقُولُ : الدُّنْيَا شَيْئَانِ : شَيْءٌ لِي ، وَشَيْءٌ لِغَيْرِي ، فَمَا كَانَ لِي لَوْ طَلَبْتُهُ بِحِيلَةٍ مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لَمْ يَأْتِنِي قَبْلَ أَجَلِهِ ، وَمَا كَانَ لِغَيْرِي لَمْ أَرْجُهُ فِيمَا مَضَى وَلا أَرْجُوهُ فِيمَا بَقِيَ ، يُمْنَعُ رِزْقِي مِنْ غَيْرِي ، كَمَا يُمْنَعُ رِزْقُ غَيْرِي مِنِّي فَفِي أَيِّ هَذَيْنِ أُفْنِي عُمْرِي ؟ وَكَانَ بَعْضُهُمْ يَقُولُ : اتْرُكِ النَّاسَ فَكُلٌّ مُشْغَلَةٌ وَقَدْ بَخِلَ النَّاسُ بِمِثْلِ الْخَرْدَلَةِ لا تَسَلِ النَّاسَ وَسَلْ مَنْ أَنْتَ لَهُ قِيلَ : فَمَا الَّذِي يُقَوِّي الْمُتَوَكِّلَ ؟ قَالَ : ثَلاثُ خِصَالٍ : الأُولَى مِنْهَا حُسْنُ الظَّنِّ بِاللَّهِ ، وَالثَّانِيَةُ نَفْيُ التُّهَمِ عَنِ اللَّهِ ، وَالثَّالِثَةُ الرِّضَا عَنِ اللَّهِ تَعَالَى فِيمَا جَرَى بِهِ التَّدْبِيرُ لِتَأْخِيرِ الأَوْقَاتِ وَتَعْجِيلِهَا ، قِيلَ : بِمَ تُلْحَقُ هَذِهِ الْمَنْزِلَةُ ؟ قَالَ : بِصَفَاءِ الْيَقِينِ وَتَمَامِهِ ، فَإِنَّ الْيَقِينَ إِذَا تَمَّ سُمِّيَ تَمَامُهُ تَوَكُّلا ، وَهَكَذَا قَالَ ذُو النُّونِ الْمِصْرِيُّ : فَهُمْ بِالْحَالَةِ الْعَالِيَةِ وَالْمَقَامِ الشَّرِيفِ ، كَمَا قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ الدَّارَانِيُّ لأَحْمَدَ بْنِ أَبِي الْحَوَارِيِّ : مَا مِنْ حَالَةٍ مِنْ حَالاتِ الْمُتَعَبِّدِينَ إِلا وَشَيْخُكَ هَذَا قَدْ دَخَلَ فِيهَا وَعَرَفَهَا , إِلا هَذَا التَّوَكُّلَ الْمُبَارَكَ الَّذِي مَا أَعْرِفُهُ إِلا بِمَشَامِّ الرِّيحِ ، وَقَالَ ذُو النُّونِ الْمِصْرِيُّ : الْمَقَامَاتُ سَبْعَ عَشْرَةَ مَقَامَةً ، أَدْنَاهَا الإِجَابَةُ ، وَأَعْلاهَا صِدْقُ التَّوَكُّلِ ، قِيلَ : فَمَا أَجْمَلُ مَا تَرَاهُ الْقُلُوبُ فِي بَاطِنِهَا وَيُلْحَقُهَا فِكْرَ خَوَاطِرِ الأَطْمَاعِ ؟ قَالَ : تَنْبِيهًا مِنَ اللَّهِ بِحِرْصِ الْجَوَارِحِ عَنْ إِشَارَةِ الأَرْوَاحِ فِيمَا طَمِعَتْ حَيَاءً مِنَ اللَّهِ تَعَالَى أَنْ يَرَاهُمْ يَسْتَرِيحُونَ إِلَى غَيْرِهِ ، كَمَا قَالَ الْحَكِيمُ : مُرِيدُوهُ يَسْتَحْيُونَ أَنْ يَرَاهُمْ يُشِيرُونَ بِالأَرْوَاحِ نَحْوَ سِوَاهُ قِيلَ : هَذَا فِي الظَّاهِرِ وَالْيَقَظَةِ فَهَلْ لَهُمْ زَاجِرٌ فِي مَنَامَاتِهِمْ عِنْدَ إِشَارَةِ الأَرْوَاحِ وَمُطَالَعَتِهَا فِي خَطَرَاتِ الأَطْمَاعِ ؟ قَالَ : قَدْ رُوِي عَنِ النُّبَاحِيِّ ، قَالَ : طَمِعْتُ يَوْمًا فِي شَيْءٍ مِنْ أُمُورِ الدُّنْيَا فَحَمَلَتْنِي عَيْنَايَ وَنِمْتُ ، فَسَمِعْتُ هاتِفًا فِي مَنَامِي وَهُوَ يَقُولُ : أَوَ يَجْمُلُ يَا فَتَى بِالْحُرِّ الْمُرِيدِ إِذَا وَجَدَ عِنْدَ مَوْلاهُ كُلَّ مَا يُرِيدُ أَنْ يَرْكَنَ بِقَلْبِهِ إِلَى الْعَبِيدِ ؟ فَهُوَ عَزَّ وَجَلَّ يَزْجُرُهُمْ ، وَيُثَبِّتُهُمْ ، وَيُرِيهِمْ مَوَاضِعَ الشَّيْنِ وَالْخَلَلِ لِيُعْمَلُوا فِي شِدَّةِ تَمَامِ الْيَقِينِ ، وَكَثْرَةِ السُّكُونِ ، وَالاعْتِمَادِ عَلَيْهِ دُونَ خَلْقِهِ فَتَكُونَ لَهُمُ الزِّيَادَةُ فِي مَقَامِهِمْ وَحُسْنِ اللُّجْأِ فِي افْتِقَارِهِمْ إِلَى سَيِّدِهِمْ ، فَمُرْهُمْ يَا فَتَى عَلَى الاسْتِوَاءِ ، قِيلَ : فَمَا مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى : وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ سورة الطلاق آية 3 ؟ قَالَ : أَيْ سَبَبُهُ بِمَعْنَى حَسْبِي مِنْ كُلِّ شَيْءٍ أَنْ أَتَوَكَّلَ عَلَيْهِ ، قِيلَ : فَمَا الأَسْبَابُ الَّتِي تَشِينُ تَوَكُّلَهُ ؟ قَالَ : الأَسْبَابُ الَّتِي فِيهَا الْحِرْصُ وَالْمُكَابَدَةُ عَلَى الدُّنْيَا ، وَالأَسْبَابُ الَّتِي تَشْغَلُهُ عَنْ دَوَامِ السُّكُونِ ، وَتَزِيدُ فِي الاضْطِرَابِ ، وَتُقَوِّي خَوْفَ الْفَوْتِ وَهِيَ الأَسْبَابُ الَّتِي تَسْتَعْبِدُهُ وَتُتْعِبُهُ فَتِلْكَ الَّتِي يُؤْمَرُ بِقَطْعِهَا حَتَّى يَسْتَرِيحَ بِرُوحِ الْيَقِينِ ، وَيَتَفَرَّجَ بِحَيَاةِ الاسْتِغْنَاءِ ، قِيلَ : فَمَا عَلامَةُ سُكُونِ الْمُتَوَكِّلِ ؟ قَالَ : تُحَرِّكُهُ أَزْعَاجُ الْمُسْتَبْطِئِ فِيمَا ضُمِنَ لَهُ مِنْ رِزْقِ رَبِّهِ وَلا تُخَلِّفَهُ فَتْرَةُ الْمُتَوَانِي عَنْ فُرْصَتِهِ ، قِيلَ : أَيَجِدُ هَذَا فَقْدَ شَيْءٍ مُنِعَهُ ؟ قَالَ : لا يَجِدُ فَقْدَهُ إِذَا مُنِعَهُ لِعِلَّةِ مَعْرِفَتِهِ بِحُسْنِ اخْتِيَارِ اللَّهِ لَهُ أَمَلا مِنَ اللَّهِ أَنْ يُعَوِّضَهُ فِي حُسْنِ الْعَوَاقِبِ أَفْضَلَ مِنْ إِرَادَتِهِ بِالْعَاجِلِ ، كَأَنَّهُ يَرَاهُ قَرِيبًا فَمِنْ هَاهُنَا لا يَجِدُ فَقْدَ شَيْءٍ مُنِعَهُ ، قِيلَ : فَمَا يُقَوِّيهِ عَلَى هَذِهِ الْحَالَةِ ؟ قَالَ : حُسْنُ عِلْمِهِ بِحُسْنِ تَدْبِيرِ اللَّهِ لَهُ فَعِنْدَهَا أَسْقَطَ عَنْ قَلْبِهِ اخْتِيَارَهُ لِنَفْسِهِ وَرَضِيَ بِمَا اخْتَارَ اللَّهُ لَهُ " .

الرواه :

الأسم الرتبة
الْحَارِثُ بْنُ أَسَدٍ

مقبول

الْجُنَيْدَ بْنَ مُحَمَّدٍ

صدوق حسن الحديث

جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ نُصَيْرٍ

ثقة