وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ , نا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ قَالَ : سَمِعْتُ الْعَبَّاسَ بْنَ مُحَمَّدٍ الدُّورِيَّ , يَقُولُ : سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ مَعِينٍ , يَقُولُ : قَالَ النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ : " وَالشَّرُّ لَيْسَ إِلَيْكَ تَفْسِيرُهُ وَالشَّرُّ لا يُتَقَرَّبُ بِهِ إِلَيْكَ " . وَذَكَرَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَلِيمِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّ الإِحْسَانَ مِنْكَ وَإِلَيْكَ أَيْ أَنَّ مَا يُصِيبُنَا مِنْ خَيْرٍ وَحُسْنَى فَأَنْتَ مُولِيهِ وَالْمُنْعِمُ بِهِ , وَمَا يَكُونُ مِنَّا مِنْ طَاعَةٍ وَفِعْلٍ حَسَنٍ فَأَنْتَ الْمَقْصُودُ وَعِبَادَتُكَ هِيَ مُرَادَةٌ مِنْهُ , فَأَمَّا مَا يُصِيبُنَا مِنْ شَرٍّ وَسُوءٍ فَإِنَّهُ وَإِنْ كَانَ مِنْكَ أَيْضًا فَإِنَّ شُرُورَ أَنْفُسِنَا وَهِيَ مَا يَقَعُ فِي أَعْمَالِنَا مِنْ سَيِّئٍ وَقَبِيحٍ , فَلَسْتَ الْمَقْصُودَ بِهِ , أَيْ لَيْسَ غَرَضُ الْمُسِيءُ مِنَّا فِي إِسَاءَتِهِ خِلافَكَ وَعِصْيَانَكَ , كَمَا أَنَّ غَرَضَ الْمُحْسِنِ مِنَّا فِي إِحْسَانِهِ طَاعَتُكَ وَعِبَادَتُكَ , وَإِنَّمَا هُوَ غَفْلَةٌ تَعْرِضُ فَيَتْبَعُ الْمُسِيءُ فِيهَا شَهْوَتَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ الْعِصْيَانُ قَصْدَهُ وَإِرَادَتَهُ , وَلَوْ قَصَدَ ذَلِكَ لَضَاهَى إِبْلِيسَ وَكَانَ مِنَ الْمُتَكَبِّرِينَ , فَإِنَّمَا هَذَا الْكَلامُ تَبَرُّؤٌ مِنَ الشِّقَاقِ وَالْعِنَادِ , لا أَنَّهُ نَفْيٌ لِلشَّرِّ أَصْلا وَإِنْكَارًا أَنْ يُقَدِّرَ شَرًّا . قَالَ الشَّيْخُ : وَفِي نَفْسِ الْخَبَرِ دَلالَةٌ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَكَرُوا مِنْ تَأْوِيلِهِ , لأَنَّهُ قَالَ : " وَالْمَهْدِيُّ مَنْ هَدَيْتَ " وَفِيهِ دَلالَةٌ عَلَى أَنَّهُ يَهْدِي قَوْمًا وَلا يَهْدِي آخَرِينَ حَتَّى يَكُونَ الْمَهْدِيُّ مَنْ هَدَاهُ , وَالْمَعْصُومُ مَنْ عَصَمَهُ , وَالَّذِي لَمْ يَهْدِهِ وَلَمْ يَعْصِمْهُ وَلَمْ يَصْرِفْ عَنْهُ السُّوءَ لَمْ يُرِدْ بِهِ خَيْرًا , قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ وَرُوِّينَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا عَلَّمَ ابْنَ ابْنَتِهِ مِنَ الدُّعَاءِ " اللَّهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْتَ , وَعَافِنِي فِيمَنْ عَافَيْتَ " وَفِيهِ دَلالَةٌ عَلَى أَنَّ مِنَ النَّاسِ مَنْ هَدَاهُ اللَّهُ , وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يَهْدِهِ , كَمَا أَنَّ مِنَ النَّاسِ مَنْ عَافَاهُ اللَّهُ , وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يُعَافِهِ , وَأَنَّهُ سَأَلَ أَنْ يَجْعَلَهُ فِيمَنْ هَدَاهُ وَعَافَاهُ , جَعَلَنَا اللَّهُ بِرَحْمَتِهِ فِيمَنْ هَدَاهُ وَعَافَاهُ .
الأسم | الشهرة | الرتبة |