أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو ، ثنا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ ، أنبا الرَّبِيعُ ، أنبا الشَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ الإِقْرَارِ بِالْحُكْمِ الظَّاهِرِ , فَذَكَرَ فَصْلا طَوِيلا فِي رَدِّ الاجْتِهَادِ عَلَى غَيْرِ أَصْلٍ , وَذَلِكَ فِيمَا احْتَجَّ بِهِ , قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى : وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ ، فَجَعَلَ النَّاسَ تَبَعًا لَهُمَا لَمْ يُهْمِلْهُمْ , وَالاجْتِهَادُ لَيْسَ عَيْنًا قَائِمَةً , إِنَّمَا هُوَ شَيْءٌ يُحْدِثُهُ مِنْ نَفْسِهِ , وَلَمْ يُؤْمَرْ بِاتِّبَاعِ نَفْسِهِ , إِنَّمَا أُمِرَ بِاتِّبَاعِ غَيْرِهِ , فَإِحْدَاثُهُ عَلَى الأَصْلَيْنِ اللَّذَيْنِ افْتَرَضَ اللَّهُ عَلَيْهِ أَوْلَى بِهِ مِنْ إِحْدَاثِهِ عَلَى غَيْرِ أَصْلٍ , وَذَكَرَ مِثَالَ ذَلِكَ الْكَعْبَةَ , مَنْ رَآهَا صَلَّى إِلَيْهَا , وَمَنْ غَابَ عَنْهَا تَوَجَّهَ إِلَيْهَا بِالدَّلائِلِ عَلَيْهَا لأَنَّهَا الأَصْلُ , فَإِنْ صَلَّى غَائِبًا عَنْهَا بِرَأْيِ نَفْسِهِ بِغَيْرِ اجْتِهَادٍ بِالدَّلائِلِ عَلَيْهَا , كَانَ مُخْطِئًا , وَكَانَتْ عَلَيْهِ الإِعَادَةُ ,وَقَالَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ ، وَالْمِثْلُ لِلْمَقْتُولِ , وَقَدْ يَكُونُ غَائِبًا , فَإِنَّمَا يَجْتَهِدُ عَلَى أَصْلِ الصَّيْدِ الْمَقْتُولِ فَيَنْظُرُ إِلَى أَقْرَبِ الأَشْيَاءِ بِهِ شَبَهًا , فَيُهْدِيهِ , وَمِثْلُ أَذَانِ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَكَانَ رَجُلا أَعْمَى لا يُنَادِي حَتَّى يُقَالَ لَهُ : أَصْبَحْتَ , فَلَوْ جَازَ الاجْتِهَادُ عَلَى غَيْرِ أَصْلٍ كَانَ لابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ أَنْ يُؤَذِّنَ بِغَيْرِ إِخْبَارِ غَيْرِهِ لَهُ أَنَّ الْفَجْرَ قَدْ طَلَعَ , وَلَكِنْ لَمَّا لَمْ تَكُنْ فِيهِ آلَةُ الاجْتِهَادِ عَلَى الأَصْلِ لَمْ يَجُزِ اجْتِهَادُهُ حَتَّى يُخْبِرَهُ مَنْ قَدِ اجْتَهَدَ عَلَى الأَصْلِ , ثُمَّ سَاقَ الْكَلامَ إِلَى أَنْ قَالَ : فَإِنْ قِيلَ : فَقَدْ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَعْدًا أَنْ يَحْكُمَ فِي بَنِي قُرَيْظَةَ , فَحَكَمَ بِرَأْيِهِ , فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " وَافَقْتَ حُكْمَ اللَّهِ فِيهِمْ " ، قِيلَ : هُوَ مِثْلُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ سورة آل عمران آية 159 ، عَلَى مَعْنَى اسْتِطَابَةِ أَنْفُسِ الْمُسْتَشَارِينِ أَوِ الْمُسْتَشَارِ مِنْهُمْ , وَالرِّضَى بِالصُّلْحِ عَلَى ذَلِكَ , وَوَضْعِ الْحَرْبِ بِذَلِكَ السَّبَبِ , لا أَنَّ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَاجَةً إِلَى مَشُورَةِ أَحَدٍ وَاللَّهُ يُؤَيِّدُهُ بِنَصْرِهِ , بَلْ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ الْمَنُّ وَالطَّوْلُ عَلَى جَمِيعِ خَلْقِهِ . فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ لَهُ " احْكُمْ " عَلَى هَذَا الْمَعْنَى . أَوْ يَكُونَ قَدْ عَلِمَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُنَّةً فِي مِثْلِ هَذَا , فَحَكَمَ عَلَى مِثْلِهَا , أَوْ يَحْكُمُ فَيُوَفِّقُهُ اللَّهُ لأَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَعْرِفُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَوَابَ ذَلِكَ , فَيُقِرُّهُ عَلَيْهِ , أَوْ يَعْرِفُ غَيْرَ ذَلِكَ , فَيَعْمَلُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ بِطَاعَةِ اللَّهِ . قَالَ : فَإِنْ قِيلَ : فَقَدْ أَكَلُوا الْحُوتَ بِغَيْرِ حُضُورِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , بِلا أَصْلٍ عِنْدَهُمْ ، يَعْنِي أَصْحَابَ أَبِي عُبَيْدَةَ , قِيلَ : لِمَوْضِعِ الضَّرُورَةِ وَالْحَاجَةِ إِلَى أَكْلِهِ عَلَى أَنَّهُمْ لَيْسُوا عَلَى يَقِينٍ مِنْ حِلِّهِ , أَلا تَرَاهُمْ سَأَلُوا عَنْ ذَلِكَ أَوَ لا تَرَى أَصْحَابَ أَبِي قَتَادَةَ فِي الصَّيْدِ الَّذِي صَادَهُ إِذْ لَمْ يَكُنْ بِهِمْ حَاجَةٌ إِلَى أَكْلِهِ , أَمْسَكُوا إِذْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُمْ أَصْلٌ , حَتَّى سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ , وَذَكَرَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَهُمْ عِنْدَ هَذَا مِنْ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَبْعَثُ عُمَّالَهُ وَسَرَايَاهُ وَيَأْمُرُ النَّاسَ بِطَاعَتِهِمْ وَقَدْ فَعَلُوا بِرَأْيِهِمْ , ثُمَّ أَجَابَ عَنْهُ بِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَأْمُرُ بِطَاعَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ , وَرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَأْمُرُ مَنْ أُمِّرَ عَلَيْهِ أَمِيرًا أَنْ يُطِيعُوهُ مَا أَطَاعَ اللَّهَ , فَإِذَا عَصَى اللَّهَ فَلا طَاعَةَ لَهُ عَلَيْهِمْ , وَأَنَّهُ كَرِهَ لَهُمْ كُلَّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ بِرَأْيِ أَنْفُسِهِمْ مِنَ الْحَرْقِ وَالْقَتْلِ , وَأَبَاحَ لَهُمْ كُلَّ مَا عَمِلُوهُ مُطِيعِينَ فِيهِ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ , فَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَنَا حُجَّةٌ فِي رَدِّ الاجْتِهَادِ عَلَى غَيْرِ أَصْلٍ , إِلا مَا احْتَجَجْتُ بِهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَرِهَ لَهُمْ وَنَهَاهُمْ عَنْ كُلِّ أَمَرٍ فَعَلُوهُ بِرَأْيِ أَنْفُسِهِمْ , لَكَانَ فِيهِ كِفَايةٌ قَالَ الإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ الْبَيْهَقِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : وَالأَحَادِيثُ الَّتِي أَشَارَ إِلَيْهَا الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مُخَرَّجَةٌ فِي كِتَابِ السُّنَنِ فِي مَوَاضِعِهَا ، وَقَوْلِهِ أَمْسِكُوا يُرِيدُ بِهِ بَعْضَ مَنْ كَانَ مَعَ أَبِي قَتَادَةَ " .
الأسم | الشهرة | الرتبة |
الرَّبِيعُ | الربيع بن سليمان المرادي | ثقة |
أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ | محمد بن يعقوب الأموي / ولد في :247 / توفي في :346 | ثقة حافظ |
أَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو | محمد بن موسى بن شاذان / توفي في :421 | ثقة |