أَنْبَأَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي زِيَادَاتِ الْفَوَائِدِ ، قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ ، قَالَ : حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي طَالِبٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَاصِمٍ ، قَالَ : أَنْبَأَنَا حَاتِمُ بْنُ أَبِي صُعَيْرَةٍ ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ ، عَنْ زَيْدِ بْنِ صُوحَانَ ، أَنَّ رَجُلَيْنِ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ كَانَا صَدِيقَيْنِ لِزَيْدِ بْنِ صُوحَانَ ، أَتَيَاهُ أَنْ يُكَلِّمَ لَهُمَا سَلْمَانَ أَنْ يُحَدِّثَهُمَا بِحَدِيثِهِ كَيْفَ كَانَ أَوَّلُ إِسْلامِهِ ؟ فَأَقْبَلا مَعَهُ حَتَّى لَقَوْا سَلْمَانَ وَهُوَ بِالْمَدَائِنِ ، أَمِيرًا عَلَيْهَا ، وَإِذَا هُوَ عَلَى كُرْسِيٍّ قَاعِدٌ ، وَإِذَا خُوصٌ بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُوَ يَشُقُّهُ ، قَالا : فَسَلَّمْنَا عَلَيْهِ وَقَعَدْنَا ، فَقَالَ لَهُ زَيْدٌ : " يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ، إِنَّ هَذَيْنِ لِي صَدِيقَانِ ، وَلَهُمَا إِخَاءٌ ، وَقَدْ أَحَبَّا أَنْ يَسْمَعَا حَدِيثَكَ كَيْفَ كَانَ أَوَّلُ إِسْلامِكَ ؟ قَالَ : فَقَالَ سَلْمَانُ : " كُنْتُ يَتِيمًا مِنْ رَامَهُرْمُزَ ، وَكَانَ ابْنُ دِهْقَانِ رَامَهُرْمُزَ يَخْتَلِفُ إِلَى مُعَلِّمٍ يُعَلِّمُهُ ، فَلَزِمْتُهُ لأَكُونَ فِي كَنَفِهِ ، وَكَانَ لِي أَخٌ أَكْبَرَ مِنِّي ، وَكَانَ مُسْتَغْنِيًا فِي نَفْسِهِ ، وَكُنْتُ غُلامًا فَقِيرًا ، فَكَانَ إِذَا قَامَ مِنْ مَجْلِسِهِ تَفَرَّقَ مَنْ يُحَفِّظُهُ ، فَإِذَا تَفَرَّقُوا خَرَجَ فَتَقَنَّعَ بِثَوْبِهِ ، ثُمَّ يَصْعَدُ الْجَبَلَ ، فَكَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ غَيْرَ مَرَّةٍ مُتَنَكِّرًا ، قَالَ : فَقُلْتُ : أَمَا إِنَّكَ تَفْعَلُ كَذَا وَكَذَا ، فَلِمَ لا تَذْهَبُ بِي مَعَكَ ؟ قَالَ : أَنْتَ غُلامٌ ، وَأَخَافُ أَنْ يَظْهَرَ مِنْكَ شَيْءٌ ، قَالَ : قُلْتُ : لا تَخَفْ ، قَالَ : فَإِنَّ فِي هَذَا الْجَبَلِ قَوْمًا فِي بِرْطِيلٍ لَهُمْ عِبَادَةٌ وَصَلاحٌ ، يَذْكُرُونَ اللَّهَ تَعَالَى ، وَيَذْكُرُونَ الآخِرَةَ ، يَزْعُمُونَ أَنَّا عَبَدَةُ النِّيرَانِ ، وَعَبَدَةُ الأَوْثَانِ ، وَأَنَّا عَلَى غَيْرِ دِينٍ ، قُلْتُ : فَاذْهَبْ بِي مَعَكَ إِلَيْهِمْ ، قَالَ : لا أَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى أَسْتَأْمِرَهُمْ ، وَأَنَا أَخَافُ أَنْ يَظْهَرَ مِنْكَ شَيْءٌ فَيَعْلَمُ أَبِي ، فَيقْتُلُ الْقَوْمَ ، فَيَجْرِي هَلاكُهُمْ عَلَى يَدَيَّ ، قَالَ : قُلْتُ : لَمْ يَظْهَرْ مِنِّي ذَلِكَ ، فَاسْتَأْمَرَهُمْ ، فَأَتَاهُمْ ، فَقَالَ : غُلامٌ عِنْدِي يَتِيمٌ فَأَحَبَّ أَنْ يَأْتِيَكُمْ وَيَسْمَعَ كَلامَكُمْ ، قَالُوا : إِنْ كُنْتَ تَثِقُ بِهِ ، قَالَ : أَرْجُو أَنْ لا يَجِيءَ مِنْهُ إِلا مَا أُحِبُّ ، قَالُوا : فَجِئْ بِهِ ، فَقَالَ لِي : قَدِ اسْتَأْذَنْتُ الْقَوْمَ أَنْ تَجِيءَ مَعِيَ ، فَإِذَا كَانَتِ السَّاعَةُ الَّتِي رَأَيْتَنِي أَخْرُجُ فِيهَا فَأْتِنِي ، وَلا يَعْلَمُ بِكَ أَحَدٌ ، فَإِنَّ أَبِي إِنْ عَلِمَ بِهِمْ قَتَلَهُمْ ، قَالَ : فَلَمَّا كَانَتِ السَّاعَةُ الَّتِي يَخْرُجُ تَبِعْتُهُ ، فَصَعِدَ الْجَبَلَ ، فَانْتَهَيْنَا فِيهِ إِلَيْهِمْ ، فَإِذَا هُمْ فِي بِرْطِيلِهِمْ ، قَالَ عَلِيٌّ : وَأُرَاهُ ، قَالَ : هُمْ سِتَّةٌ أَوْ سَبْعَةٌ ، قَالَ : وَكَأَنَّ الرُّوحَ قَدْ خَرَجَتْ مِنْهُمْ مِنَ الْعِبَادَةِ يَصُومُونَ النَّهَارَ ، وَيَقُومُونَ اللَّيْلَ ، يَأْكُلُونَ الشَّجَرَ وَمَا وَجَدُوا ، فَقَعَدْنَا إِلَيْهِمْ ، فَأَثْنَى ابْنُ الدِّهْقَانِ عَلَيَّ خَيْرًا ، فَتَكَلَّمُوا فَحَمِدُوا اللَّهَ ، وَأَثْنَوْا عَلَيْهِ ، وَذَكَرُوا مِمَّا مَضَى مِنَ الرُّسُلِ وَالأَنْبِيَاءِ حَتَّى خَلَصُوا إِلَى عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ، فَقَالُوا : بَعَثَهُ اللَّهُ ، وَوُلِدَ لِغَيْرِ ذَكَرٍ ، بَعَثَهُ اللَّهُ رَسُولا ، وَسَخَّرَ لَهُ مَا كَانَ يَفْعَلُ مِنْ إِحْيَاءِ الْمَوْتَى ، وَخَلْقِ الطَّيْرَ ، وَإِبْرَاءِ الأَعْمَى وَالأَبْرَصَ ، فَكَفَرَ بِهِ قَوْمٌ ، وَتَبِعَهُ قَوْمٌ ، وَإِنَّمَا كَانَ عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ ابْتَلَى بِهِ خَلْقَهُ ، قَالَ : وَقَالُوا قَبْلَ ذَلِكَ : يَا غُلامُ ، إِنَّ لَكَ رَبًّا ، وَإِنَّ لَكَ مَعَادًا ، وَإِنَّ بَيْنَ يَدَيْكَ جَنَّةً وَنَارًا إِلَيْهِمَا تَصِيرُ ، وَإِنَّ هَؤُلاءِ الْقَوْمَ الَّذِينَ يَعْبُدُونَ النِّيرَانَ أَهْلُ كُفْرٍ وَضَلالَةٍ ، فَلا يَرْضَى اللَّهُ تَعَالَى بِمَا يَصْنَعُونَ ، وَلَيْسُوا عَلَى دِينٍ ، فَلَمَّا حَضَرَتِ السَّاعَةُ الَّتِي يَنْصَرِفُ فِيهَا الْغُلامُ انْصَرَفَ ، وَانْصَرَفْتُ مَعَهُ ، ثُمَّ غَدَوْنَا إِلَيْهِمْ ، فَقَالُوا : مِثْلَ ذَلِكَ وَأَحْسَنَ وَلَزِمْتُهُمْ ، فَقَالُوا لِي : يَا سَلْمَانُ ، إِنَّكَ غُلامٌ ، وَإِنَّكَ لا تَسْتَطِيعُ أَنْ تَصْنَعَ مَا نَصْنَعُ ، فَصَلِّ ، وَنَمْ ، وَكُلْ ، وَاشْرَبْ ، قَالَ : فَاطَّلَعَ الْمَلِكُ عَلَى صَنِيعِ ابْنِهِ ، فَرَكِبَ فِي الْخَيْلِ ، ثُمَّ أَتَاهُمْ فِي بِرْطِيلِهِمْ ، فَقَالَ : يَا هَؤُلاءِ ، قَدْ جَاوَرْتُمُونِي فَأَحْسَنْتُ جِوَارَكُمْ ، وَلَمْ تَرَوْا مِنِّي سُوءًا فَعَمِدْتُمْ إِلَى ابْنِي فَأَفْسَدْتُمُوهُ عَلَيَّ ، قَدْ أَجَّلْتُكُمْ ثَلاثًا ، فَإِنْ قَدَرْتُ عَلَيْكُمْ بَعْدَ ثَلاثٍ أَحْرَقْتُ عَلَيْكُمْ بِرْطِيلَكُمْ هَذَا ، فَالْحَقُوا بِبِلادِكُمْ ، فَإِنِّي أَكْرَهُ أَنْ يَكُونَ مِنِّي إِلَيْكُمْ سُوءٌ ، قَالُوا : نَعَمْ ، مَا مَسَاءَتَكَ ، وَلا أَرَدْنَا إِلا الْخَيْرَ ، فَكَفَّ ابْنُهُ عَنْ إِتْيَانِهِمْ ، فَقُلْتُ لَهُ : اتَّقِ اللَّهَ ، فَإِنَّكَ تَعْرِفُ أَنَّ هَذَا الدِّينَ دِينُ اللَّهِ ، وَإِنَّ أَبَاكَ وَنَحْنُ عَلَى غَيْرِ دِينٍ ، إِنَّمَا هُمْ عَبْدَةُ النِّيرَانِ لا يَعْرِفُونَ اللَّهَ ، فَلا تَبِعْ آخِرَتَكَ بِدُنْيَا غَيْرِكَ ، قَالَ : يَا سَلْمَانُ ، هُوَ كَمَا تَقُولُ ، وَإِنَّمَا أَتَخَلَّفُ عَنِ الْقَوْمِ بُقْيًا عَلَيْهِمْ إِنْ تَبِعْتُ الْقَوْمَ طَلَبَني أَبِي فِي الْخَيْلِ ، وَقَدْ جَزَعَ مِنْ إِتْيَانِي إِيَّاهُمْ حَتَّى طَرَدَهُمْ ، وَقَدْ أَعْرِفُ أَنَّ الْحَقَّ فِي أَيْدِيهِمْ ، قُلْتُ : أَنْتَ أَعْلَمُ ، ثُمَّ لَقِيتُ أَخِي فَعَرَضْتُ عَلَيْهِ ، فَقَالَ : أَنَا مُشْتَغِلٌ بِنَفْسِي فِي طَلَبِ الْمَعِيشَةِ ، فَأَتَيْتُهُمْ فِي الْيَوْمِ الَّذِي أَرَادُوا أَنْ يَرْتَحِلُوا فِيهِ ، فَقَالُوا : يَا سَلْمَانُ ، قَدْ كُنَّا نَحْذَرُ فَكَانَ مَا رَأَيْتَ اتَّقِ اللَّهَ ، وَاعْلَمْ أَنَّ الدِّينَ مَا أَوْصَيْنَاكَ بِهِ ، وَأَنَّ هَؤُلاءِ عَبْدَةُ النِّيرَانِ لا يَعْرِفُونَ اللَّهَ وَلا يَذْكُرُونَهُ ، فَلا يَخْدَعَنَّكَ أَحَدٌ عَنْ ذَلِكَ ، قُلْتُ : مَا أَنَا بِمُفَارِقِكُمْ ، قَالُوا : إِنَّكَ لا تَقْدِرُ عَلَى أَنْ تَكُونَ مَعَنَا نَحْنُ نَصُومُ النَّهَارَ ، وَنَقُومُ اللَّيْلَ ، وَنَأْكُلُ الشَّجَرَ وَمَا أَصَبْنَا ، وَأَنْتَ لا تَسْتَطِيعُ ذَلِكَ ، قَالَ : قُلْتُ : لا أُفَارِقُكُمْ ، قَالُوا : أَنْتَ أَعْلَمُ ، قَدْ أَعْلَمْنَاكَ حَالَنَا ، فَإِذَا أَتَيْتَ فَاطْلُبْ حِذَاءً يَكُونُ مَعَكَ ، وَاحْمِلْ مَعَكَ شَيْئًا تَأْكُلُهُ ، فَإِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَا نَسْتَطِيعُ نَحْنُ ، قَالَ : فَفَعَلْتُ ، وَلَقِيتُ أَخِي فَعَرَضْتُ عَلَيْهِ ، فَأَبَى ، فَأَتَيْتُهُمْ فَتَحَمَّلُوا ، فَكَانُوا يَمْشُونَ وَأَمْشِي مَعَهُمْ ، فَرَزَقَ اللَّهُ السَّلامَةَ حَتَّى قَدِمْنَا الْمَوْصِلَ ، فَأَتَيْنَا بَيْعَةً بِالْمَوْصِلِ ، فَلَمَّا دَخَلُوا حَفُّوا بِهِمْ وَقَالُوا : أَيْنَ كُنْتُمْ ؟ قَالُوا : كُنَّا فِي بِلادٍ لا يَذْكُرُونَ اللَّهَ تَعَالَى بِهَا عَبْدَةُ النِّيرَانِ ، فَطَرَدُونَا ، فَقَدِمْنَا عَلَيْكُمْ ، فَلَمَّا كَانَ بَعْدُ قَالُوا : يَا سَلْمَانُ ، إِنَّ هَهُنَا قَوْمًا فِي هَذِهِ الْجِبَالِ هُمْ أَهْلُ دِينٍ ، وَإِنَّا نُرِيدُ لِقَاءَهُمْ ، فَكُنْ أَنْتَ هَهُنَا مَعَ هَؤُلاءِ فَإِنَّهُمْ أَهْلُ دِينٍ وَسَتَرَى مِنْهُمْ مَا تُحِبُّ ، قُلْتُ : مَا أَنَا بِمُفَارِقِكُمْ ، قَالَ : وَأَوْصُوا بِي أَهْلَ الْبِيعَةِ ، فَقَالَ أَهْلُ الْبَيْعَةِ : أَقِمْ مَعَنَا يَا غُلامُ ، فَإِنَّهُ لا يُعْجِزُكَ شَيْءٌ يَسَعُنَا ، قَالَ : قُلْتُ : مَا أَنَا بِمُفَارِقِكُمْ ، فَخَرَجُوا وَأَنَا مَعَهُمْ ، فَأَصْبَحْنَا بَيْنَ جِبَالٍ فَإِذَا صَخْرَةٌ وَمَاءٌ كَثِيرٌ فِي جِرَارٍ وَخُبْزٌ كَثِيرٌ ، فَقَعَدْنَا عِنْدَ الصَّخْرَةِ ، فَلَمَّا طَلَعَتِ الشَّمْسُ خَرَجُوا مِنْ بَيْنِ تِلْكَ الْجِبَالِ ، يَخْرُجُ رَجُلٌ رَجُلٌ مِنْ مَكَانِهِ ، كَأَنَّ الأَرْوَاحَ انْتُزِعَتْ مِنْهُمْ حَتَّى كَثُرُوا فَرَحَّبُوا بِهِمْ وَحَفُّوا ، وَقَالُوا : أَيْنَ كُنْتُمْ ، لَمْ نَرَكُمْ ؟ قَالُوا : كُنَّا فِي بِلادٍ لا يَذْكُرُونَ اسْمَ اللَّهِ فِيهَا عَبْدَةُ النِّيرَانِ ، وَكُنَّا نَعْبُدُ اللَّهَ فَطَرَدُونَا ، فَقَالَ : مَا هَذَا الْغُلامُ ؟ قَالَ : فَطَفِقُوا يُثْنُونَ عَلَيَّ ، وَقَالُوا : صَحِبَنَا مِنْ تِلْكَ الْبِلادِ ، فَلَمْ نَرَ مِنْهُ إِلا خَيْرًا ، قَالَ : فَوَاللَّهِ إِنَّهُمْ لَكَذَا ، إِذْ طَلَعَ عَلَيْهِمْ رَجُلٌ مِنْ كَهْفٍ ، رَجُلٌ طُوَالٌ ، فَجَاءَ حَتَّى سَلَّمَ وَجَلَسَ ، فَحَفُّوا بِهِ وَعَظَّمُوهُ أَصْحَابِي الَّذِينَ كُنْتُ مَعَهُمْ ، وَأَحْدَقُوا بِهِ ، فَقَالَ لَهُمْ : أَيْنَ كُنْتُمْ ؟ فَأَخْبَرُوهُ ، قَالَ : مَا هَذَا الْغُلامُ مَعَكُمْ ؟ فَأَثْنَوْا عَلَيَّ خَيْرًا ، وَأَخْبَرُوهُ بِاتِّبَاعِي إِيَّاهُمْ ، وَلَمْ أَرَ مِثْلَ أَعْظَامِهِمْ إِيَّاهُ ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ، ثُمَّ ذَكَرَ مَنْ أَرْسَلَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ رُسُلِهِ وَأَنْبِيَائِهِ ، وَمَا لَقَوْا وَمَا صُنِعَ بِهِمْ حَتَّى ذَكَرَ مَوْلِدَ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَنَّهُ وُلِدَ لِغَيْرِ ذَكَرٍ ، فَبَعَثَهُ اللَّهُ رَسُولا ، وَأَجْرَى عَلَى يَدَيْهِ إِحْيَاءَ الْمَوْتَى وَإِبْرَاءَ الأَعْمَى وَالأَبْرَصَ ، وَأَنَّهُ يَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَيَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ ، وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ الإِنْجِيلَ ، وَعَلَّمَهُ التَّوْرَاةَ ، وَبَعْثَهُ رَسُولا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ ، فَكَفَرَ بِهِ قَوْمٌ ، وَآمَنَ بِهِ قَوْمٌ ، وَذَكَرَ بَعْضَ مَا لَقِيَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ ، وَأَنَّهُ لَمَّا كَانَ عَبْدًا أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ ، فَشَكَرَ ذَلِكَ لَهُ ، وَرَضِيَ عَنْهُ حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ ، وَهُوَ يَعِظُهُمْ ، وَيَقُولُ : اتَّقُوا اللَّهَ ، وَالْزَمُوا مَا جَاءَ بِهِ عِيسَى ، وَلا تُخَالِفُوا فَيُخَالَفَ بِكُمْ ، ثُمَّ قَالَ : مَنْ أَرَادَ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ هَذَا شَيْئًا فَلْيَأْخُذْ ، فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَقُومُ فَيَأْخُذُ الْجَرَّةَ مِنَ الْمَاءِ وَالطَّعَامِ وَالشَّيْءِ ، فَقَامَ إِلَيْهِ أَصْحَابِي الَّذِينَ جِئْتُ مَعَهُمْ فَسَلَّمُوا عَلَيْهِ وَعَظَّمُوهُ ، فَقَالَ لَهُمُ : الْزَمُوا هَذَا الدِّينَ ، وَإِيَّاكُمْ أَنْ تَفَرَّقُوا ، وَاسْتَوْصُوا بِهَذَا الْغُلامِ خَيْرًا ، وَقَالَ لِي : يَا غُلامُ ، هَذَا دِينُ اللَّهِ الَّذِي تَسْمَعُنِي أَقُولُهُ ، وَمَا سِوَاهُ هُوَ الْكُفْرُ ، قَالَ : قُلْتُ : مَا أُفَارِقُكَ ، قَالَ : لا إِنَّكَ لا تَسْتَطِيعُ أَنْ تَكُونَ مَعِي ، إِنِّي لا أَخْرُجُ مِنْ كَهْفِي هَذَا إِلا كُلَّ يَوْمِ أَحَدٍ ، لا تَقْدِرُ عَلَى الْكَيْنُونَةِ مَعِي ، قَالَ : وَأَقْبَلَ عَلَيَّ أَصْحَابُهُ ، فَقَالُوا : يَا غُلامُ ، إِنَّكَ لا تَسْتَطِيعُ أَنْ تَكُونَ مَعَهُ ، قُلْتُ : مَا أَنَا بِمُفَارِقِكَ ، قَالَ : يَا غُلامُ ، فَإِنِّي أُعْلِمُكَ الآنَ أَنِّي أَدْخُلُ هَذَا الْكَهْفَ ، وَلا أَخْرُجُ مِنْهُ إِلا الأَحَدَ الآخَرَ ، فَأَنْتَ أَعْلَمُ ، قُلْتُ : مَا أَنَا بِمُفَارِقِكَ قَالَ لَهُ أَصْحَابُهُ : يَا أَبَا فُلانُ ، هَذَا غُلامٌ وَيُخَافُ عَلَيْهِ ، قَالَ : قَالَ لِي : أَنْتَ أَعْلَمُ ، قُلْتُ : إِنِّي لا أُفَارِقُكَ ، فَبَكَى أَصْحَابِي الأَوَّلُونَ الَّذِينَ كُنْتُ مَعَهُمْ عِنْدَ فِرَاقِهِمْ إِيَّايَ ، فَقَالَ : خُذْ مِنْ هَذَا الطَّعَامِ مَا تَرَى أَنَّهُ يَكْفِيكَ إِلَى الأَحَدِ الآخَرِ ، وَخُذْ مِنْ هَذَا الْمَاءِ مَا تَكْتَفِي بِهِ ، فَفَعَلْتُ وَتَفَرَّقُوا ، وَذَهَبَ كُلُّ إِنْسَانٍ إِلَى مَكَانِهِ الَّذِي يَكُونُ فِيهِ ، وَتَبِعْتُهُ حَتَّى دَخَلَ الْكَهْفَ فِي الْجَبَلِ ، فَقَالَ : ضَعْ مَا مَعَكَ وَكُلْ وَاشْرَبْ وَقَامَ يُصَلِّي ، فَقُمْتُ خَلْفَهُ أُصَلِّي ، قَالَ : فَانْفَتَلَ إِلَيَّ ، وَقَالَ : إِنَّكَ لا تَسْتَطِيعُ هَذَا ، وَلَكِنْ صَلِّ وَنَمْ ، وَكُلْ وَاشْرَبْ ، فَفَعَلْتُ فَمَا رَأَيْتُهُ نَائِمًا وَلا طَاعِمًا ، إِلا رَاكِعًا وَسَاجِدًا إِلَى الأَحَدِ الآخَرِ ، فَلَمَّا أَصْبَحْنَا ، قَالَ : خُذْ جَرَّتَكَ هَذِهِ وَانْطَلِقْ ، فَخَرَجْتُ مَعَهُ أَتَّبِعُهُ حَتَّى انْتَهَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ ، وَإِذَا هُمْ قَدْ خَرَجُوا مِنْ تِلْكَ الْجِبَالِ ، وَاجْتَمَعُوا إِلَى الصَّخْرَةِ يَنْتَظِرُونَ خُرُوجَهُ ، فَقَعَدُوا وَعَادَ فِي حَدِيثِهِ نَحْوَ الْمَرَّةِ الأُولَى ، فَقَالَ : الْزَمُوا هَذَا الدِّينَ وَلا تَفَرَّقُوا ، وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ كَانَ عَبْدَ اللَّهِ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ ، ثُمَّ ذَكَرَنِي ، فَقَالُوا لَهُ : يَا فُلانٍ ، كَيْفَ وَجَدْتَ هَذَا الْغُلامَ ؟ فَأَثْنَى عَلَيَّ ، وَقَالَ خَيْرًا ، فَحَمِدُوا اللَّهَ تَعَالَى ، وَإِذَا خُبْزٌ كَثِيرٌ وَمَاءٌ ، فَأَخَذُوا وَجَعَلَ الرَّجُلُ يَأْخُذُ بِقَدْرِ مَا يَكْتَفِي بِهِ ، فَفَعَلْتُ ، وَتَفَرَّقُوا فِي تِلْكَ الْجِبَالِ وَرَجَعَ إِلَى كَهْفِهِ ، وَرَجَعْتُ مَعَهُ ، فَلَبِثَ مَا شَاءَ اللَّهُ يَخْرُجُ فِي كُلِّ يَوْمِ أَحَدٍ ، وَيَخْرُجُونَ مَعَهُ وَيوصِيهِمْ بِمَا كَانَ يُوصِيهِمْ بِهِ ، فَخَرَجَ فِي أَحَدٍ ، فَلَمَّا اجْتَمَعُوا حَمِدَ اللَّهَ وَوَعَظَهُمْ ، وَقَالَ مِثْلَ مَا كَانَ يَقُولُ لَهُمْ ، ثُمَّ قَالَ لَهُمْ آخِرَ ذَلِكَ : يَا هَؤُلاءِ ، إِنَّهُ قَدْ كَبِرَتْ سِنِّي ، وَرَقَّ عَظْمِي ، وَاقْتَرَبَ أَجَلِي ، وَإِنَّهُ لا عَهْدَ لِي بِهَذَا الْبَيْتِ مُنْذُ كَذَا وَلا بُدَّ مِنْ إِتْيَانِهِ ، فَاسْتَوْصُوا بِهَذَا الْغُلامِ خَيْرًا ، وَإِنِّي رَأَيْتُهُ لا بَأْسَ بِهِ ، قَالَ : فَجَزِعَ الْقَوْمُ فَمَا رَأَيْتُ مِثْلَ جَزَعِهِمْ ، وَقَالُوا : يَا أَبَا فُلانٍ ، أَنْتَ كَبِيرٌ ، وَأَنْتَ وَحْدَكَ ، وَلا نَأْمَنُ أَنْ يُصِيبَكَ الشَّيْءُ ، وَلَسْنَا أَحْوَجُ مَا كُنَّا إِلَيْكَ ، قَالَ : لا تُرَاجِعُونِي ، لا بُدَّ لِي مِنْ إِتْيَانِهِ ، وَلَكِنِ اسْتَوْصُوا بِهَذَا الْغُلامِ خَيْرًا ، وَافْعَلُوا وَافْعَلُوا ، قَالَ : قُلْتُ : مَا أَنَا بِمُفَارِقِكَ ، قَالَ : يَا سَلْمَانُ ، قَدْ رَأَيْتَ حَالِيَ وَمَا كُنْتُ عَلَيْهِ ، وَلَيْسَ هَذَا كَذَلِكَ ، إِنَّمَا أَمْشِي ، أَصُومُ النَّهَارَ ، وَأَقُومُ اللَّيْلَ ، وَلا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَحْمِلَ مَعِي زَادًا ، وَلا غَيْرَهُ ، وَلا تَقْدِرُ عَلَى هَذَا ، قَالَ : قُلْتُ : مَا أَنَا بِمُفَارِقِكَ ، قَالَ : أَنْتَ أَعْلَمُ ، قَالُوا : يَا أَبَا فُلانٍ ، إِنَّا نَخَافُ عَلَيْكَ وَعَلَى هَذَا الْغُلامِ ، قَالَ : هُوَ أَعْلَمُ ، قَدْ أَعْلَمْتُهُ الْحَالَ ، وَقَدْ رَأَى مَا كَانَ قَبْلَ هَذَا ، قُلْتُ : لا أُفَارِقُكَ ، قَالَ : فَبَكَوْا وَوَدَّعُوهُ ، وَقَالَ لَهُمُ : اتَّقُوا اللَّهَ ، وَكُونُوا عَلَى مَا أَوْصَيْتُكُمْ بِهِ ، فَإِنْ أَعِشْ فَلَعَلِّي أَرْجِعُ إِلَيْكُمْ ، وَإِنْ أَمُتْ فَإِنَّ اللَّهَ حَيٌّ لا يَمُوتُ ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ وَخَرَجَ وَخَرَجْتُ مَعَهُ ، وَقَالَ لِي : احْمِلْ مَعَكَ هَذَا الْخُبْزِ شَيْئًا تَأْكُلْهُ ، فَخَرَجَ وَخَرَجْتُ مَعَهُ يَمْشِي وَأَتَّبِعُهُ ، يَذْكُرُ اللَّهَ وَلا يَلْتَفِتُ ، وَلا يَقِفُ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى إِذَا أَمْسَى ، قَالَ : يَا سَلْمَانُ ، صَلِّ أَنْتَ وَنَمْ ، وَكُلْ وَاشْرَبْ ، ثُمَّ قَامَ هُوَ يُصَلِّي ، إِلَى أَنِ انْتَهَى إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ ، وَكَانَ لا يَرْفَعُ طَرْفَهُ إِلَى السَّمَاءِ إِذَا أَمْسَى حَتَّى انْتَهَيْنَا إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ ، وَإِذَا عَلَى الْبَابِ مُقْعَدٌ ، قَالَ : يَا عَبْدَ اللَّهِ ، قَدْ تَرَى حَالِي ، فَتَصَدَّقْ عَلَيَّ بِشَيْءٍ ، فَلَمْ يَلْتَفَتْ إِلَيْهِ ، وَدَخَلَ الْمَسْجِدَ ، وَدَخَلْتُ مَعَهُ ، فَجَعَلَ يَتَّبَّعُ أَمْكِنَةً مِنَ الْمَسْجِدِ يُصَلِّي فِيهَا ، ثُمَّ قَالَ : يَا سَلْمَانُ ، إِنِّي لَمْ أَنَمْ مُنْذُ كَذَا وَكَذَا ، وَلَمْ أَجِدْ طَعْمَ نَوْمٍ ، فَإِنْ أَنْتَ جَعَلْتَ لِي أَنْ تُوقِظَنِي إِذَا بَلَغَ الظِّلُّ مَكَانَ كَذَا وَكَذَا نِمْتُ ، فَإِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَنَامَ فِي هَذَا الْمَسْجِدِ وَإِلا لَمْ أَنَمْ ، قَالَ : قُلْتُ : فَإِنِّي أَفْعَلُ ، قَالَ : فَانْظُرْ إِذَا بَلَغَ الظِّلُّ مَكَانَ كَذَا وَكَذَا ، فَأَيْقِظْنِي إِذَا غَلَبَتْنِي عَيْنِي ، فَنَامَ ، فَقُلْتُ فِي نَفْسِي : هَذَا لَمْ يَنَمْ مُنْذُ كَذَا وَكَذَا ، وَقَدْ رَأَيْتُ بَعْضَ ذَلِكَ ، لأَدَعَنَّهُ يَنَامُ حَتَّى يُشْفَى مِنَ النَّوْمِ ، وَكَانَ فِيمَا يَمْشِي ، وَأَنَا مَعَهُ ، يُقْبِلُ عَلَيَّ فَيَعِظُنِي وَيخْبِرُنِي أَنَّ لِي رَبًّا ، وَأَنَّ بَيْنَ يَدَيَّ جَنَّةً وَنَارًا وَحِسَابًا ، وَيُعَلِّمُنِي وَيُذَكِّرُني نَحْوَ كَانَ يُذَكِّرُ الْقَوْمَ يَوْمَ الأَحَدِ حَتَّى ، قَالَ فِيمَا يَقُولُ لِي : يَا سَلْمَانُ ، إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى ، سَوْفَ يَبْعَثُ رَسُولا اسْمُهُ أَحْمَدُ ، يَخْرُجُ بِتِهَامَةَ ، وَكَانَ رَجُلا أَعْجَمِيًّا لا يُحْسِنُ أَنْ يَقُولَ تِهَامَةَ وَلا مُحَمَّدًا عَلامَتُهُ أَنَّهُ يَأْكُلُ الْهَدِيَّةَ ، وَلا يَأْكُلِ الصَّدَقَةَ ، بَيْنَ كَتِفَيْهِ خَاتَمٌ ، وَهَذَا زَمَانُهُ الَّذِي يَخْرُجُ فِيهِ فَقَدْ تَقَارَبَ ، فَأَمَّا أَنَا فَإِنِّي شَيْخٌ كَبِيرٌ ، وَلا أَحْسَبُنِي أُدْرِكُهُ ، فَإِنْ أَدْرَكْتَهُ أَنْتَ فَصَدِّقْهُ وَاتَّبِعْهُ ، قُلْتُ : وَإِنْ أَمَرَنِي بِتَرْكِ دِينِكَ وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِ ؟ قَالَ : وَإِنْ أَمَرَكَ ، فَإِنَّ الْحَقَّ فِيمَا يَجِيءُ بِهِ ، وَرِضَا الرَّحْمَنِ فِيمَا ، قَالَ : فَلَمْ يَمْضِ إِلا يَسِيرًا حَتَّى اسْتَيْقَظَ فَزِعًا يَذْكُرُ اللَّهَ ، فَقَالَ : يَا سَلْمَانُ مَضَى الْفَيْءُ مِنْ هَذَا الْمَكَانِ ، وَلَمْ أَذْكُرِ اللَّهَ ، أَيْنَ مَا جَعَلْتَ لِي عَلَى نَفْسِكَ ؟ قَالَ : قُلْتُ : أَخْبَرْتَنِي أَنَّكَ لَمْ تَنَمْ مُنْذُ كَذَا وَكَذَا ، وَقَدْ رَأَيْتُ بَعْضَ ذَلِكَ ، فَأَحْبَبْتُ أَنْ تُسْتَشْفَى مِنَ النَّوْمِ ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَقَامَ فَخَرَجَ ، فَتَبِعْتُهُ فَمَرَّ بِالْمُقْعَدِ ، فَقَالَ الْمُقْعَدُ : يَا عَبْدَ اللَّهِ دَخَلْتَ فَسَأَلْتُكَ فَلَمْ تُعْطِنِي ، وَخَرَجْتَ فَسَأَلْتُكَ فَلَمْ تُعْطِنِي ، فَقَامَ يَنْظُرُ هَلْ يَرَى أَحَدًا فَلَمْ يَرَهُ ، فَدَنَا مِنْهُ ، فَقَالَ : نَاوِلْنِي يَدَكَ فَنَاوَلَهُ ، فَقَالَ : قُمْ بِاسْمِ اللَّهِ فَقَامَ ، كَأَنَّهُ نَشِطَ مِنْ عِقَالٍ صَحِيحًا لا عَيْبَ فِيهِ فَخَلَّى عَنْ يَدِهِ فَانْطَلَقَ ذَاهِبًا ، وَكَانَ لا يَلْوِي عَلَى أَحَدٍ ، وَلا يَقُومُ عَلَيْهِ ، فَقَالَ لِي الْمُقْعَدُ : يَا غُلامُ احْمِلْ عَلَيَّ ثِيَابِي حَتَّى أَنْطَلِقَ وَأُبَشِّرَ أَهْلِي ، فَحَمَلْتُ عَلَيْهِ ثِيَابَهُ ، وَانْطَلَقَ لا يَلْوِي عَلَيَّ ، فَخَرَجْتُ فِي إِثْرِهِ أَطْلُبُهُ وَكُلَّمَا سَأَلْتُ عَنْهُ ، قَالُوا : أَمَامَكَ حَتَّى لَقِيَنِي الرَّكْبُ مِنْ كَلْبٍ فَسَأَلْتُهُمْ ، فَلَمَّا سَمِعُوا لُغَتِي أَنَاخَ رَجُلٌ مِنْهُمْ بَعِيرَهُ فَحَمَلَنِي فَجَعَلَنِي خَلْفَهُ حَتَّى أَتَوْا بِي بِلادَهُمْ ، قَالَ : فَبَاعُونِي ، فَاشْتَرَتْنِي امْرَأَةٌ مِنَ الأَنْصَارِ ، فَجَعَلَتْنِي فِي حَائِطٍ لَهَا ، وَقَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأُخْبِرْتُ بِهِ ، فَأَخَذْتُ شَيْئًا مِنْ تَمْرِ حَائِطِي فَجَعَلْتُهُ عَلَى شَيْءٍ ، ثُمَّ أَتَيْتُهُ فَوَجَدْتُ عِنْدَهُ أُنَاسًا ، وَإِذَا أَبُو بَكْرٍ أَقْرَبُ الْقَوْمِ مِنْهُ ، فَوَضَعْتُهُ بَيْنَ يَدَيْهِ ، فَقَالَ : مَا هَذَا ؟ قُلْتُ : صَدَقَةٌ ، قَالَ لِلْقَوْمِ : كُلُوا ، وَلَمْ يَأْكُلْ هُوَ ، ثُمَّ لَبِثْتُ مَا شَاءَ اللَّهُ ، ثُمَّ أَخَذْتُ مِثْلَ ذَلِكَ فَجَعَلْتُهُ عَلَى شَيْءٍ ، ثُمَّ أَتَيْتُهُ ، فَوَجَدْتُ عِنْدَهُ أُنَاسًا ، وَإِذَا أَبُو بَكْرٍ أَقْرَبُ الْقَوْمِ مِنْهُ ، فَوَضَعْتُهُ بَيْنَ يَدَيْهِ ، فَقَالَ : مَا هَذَا ؟ قُلْتُ : هَدِيَّةٌ ، قَالَ : بِسْمِ اللَّهِ ، فَأَكَلَ وَأَكَلَ الْقَوْمُ ، قَالَ : قُلْتُ فِي نَفْسِي : هَذِهِ مِنْ آيَاتِهِ كَانَ صَاحِبِي رَجُلٌ أَعْجَمِيٌّ لَمْ يُحْسِنْ أَنْ يَقُولَ : تِهَامَةُ ، قَالَ : تُهْمَةُ ، وَقَالَ أَحْمَدُ : فَدُرْتُ خَلْفَهُ ، فَفَطِنَ لِي فَأَرْخَى ثَوْبَهُ ، فَإِذَا الْخَاتَمُ فِي نَاحِيَةِ كَتِفِهِ الأَيْسَرِ فَتَبَيَّنْتُهُ ، ثُمَّ دُرْتُ حَتَّى جَلَسْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ ، فَقُلْتُ : أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ ، وَأَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ ، قَالَ : مَنْ أَنْتَ ؟ قُلْتُ : مَمْلُوكٌ ، فَحَدَّثْتُهُ حَدِيثِي ، وَحَدِيثَ الرَّجُلِ الَّذِي كُنْتُ مَعَهُ ، وَمَا أَمَرَنِي بِهِ ، قَالَ : لِمَنْ أَنْتَ ؟ قُلْتُ : لامْرَأَةٍ مِنَ الأَنْصَارِ جَعَلَتْنِي فِي حَائِطٍ لَهَا ، قَالَ : يَا أَبَا بَكْرٍ ، قَالَ : لَبَّيْكَ ، قَالَ : اشْتَرِهْ ، قَالَ : فَاشْتَرَانِي أَبُو بَكْرٍ فَأَعْتَقَنِي ، فَلَبِثْتُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ أَلْبَثَ ، ثُمَّ أَتَيْتُهُ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ ، وَقَعَدْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ ، فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، مَا تَقُولُ فِي دِينِ النَّصَارَى ؟ قَالَ : لا خَيْرَ فِيهِمْ ، وَلا فِي دِينِهِمْ فَدَخَلَنِي أَمْرٌ عَظِيمٌ ، فَقُلْتُ فِي نَفْسِي : هَذَا الَّذِي كُنْتُ مَعَهُ وَرَأَيْتُ مِنْهُ مَا رَأَيْتُ ، ثُمَّ رَأَيْتُهُ أَخَذَ بِيَدِ الْمُقْعَدِ ، فَأَقَامَهُ اللَّهُ عَلَى يَدِهِ ، لا خَيْرَ فِي هَؤُلاءِ وَلا دِينِهِمْ ، فَانْصَرَفْتُ وَفِي نَفْسِي مَا شَاءَ اللَّهُ ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ : ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ سورة المائدة آية 82 إِلَى آخِرِ الآيَةِ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : عَلَيَّ سَلْمَانُ فَأَتَانِي الرَّسُولُ فَدَعَانِي وَأَنَا خَائِفٌ ، فَجِئْتُ حَتَّى قَعَدْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ ، فَقَرَأَ : بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ سورة المائدة آية 82 إِلَى آخِرِ الآيَاتِ ، فَقَالَ : يَا سَلْمَانُ ، أُولَئِكَ الَّذِينَ كُنْتَ مَعَهُمْ ، وَصَاحِبُكَ لَمْ يَكُونُوا نَصَارَى ، إِنَّمَا كَانُوا مُسْلِمِينَ ، فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، فَوَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ ، لَهُوَ أَمَرَنِي بِاتِّبَاعِكَ ؛ فَقُلْتُ لَهُ : وَإِنْ أَمَرَنِي بِتَرْكِ دِينَكَ وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِ أَفَأَتْرُكْهُ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، فَاتْرُكْهُ ؛ فَإِنَّ الْحَقَّ وَمَا يُحِبُّ اللَّهُ فِيمَا يَأْمُرُكَ " .
الأسم | الشهرة | الرتبة |
سَلْمَانَ | سلمان الفارسي | صحابي |
زَيْدِ بْنِ صُوحَانَ | زيد بن صوحان العبدي | صحابي |
سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ | سماك بن حرب الذهلي | صدوق سيء الحفظ, تغير بآخره وروايته عن عكرمة مضطربة |
حَاتِمُ بْنُ أَبِي صُعَيْرَةٍ | حاتم بن أبي صغيرة القشيري | ثقة |
عَلِيُّ بْنُ عَاصِمٍ | علي بن عاصم التميمي / ولد في :105 / توفي في :201 | متروك الحديث |
يَحْيَى بْنُ أَبِي طَالِبٍ | يحيى بن جعفر الواسطي / ولد في :180 / توفي في :275 | صدوق حسن الحديث |
أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ | محمد بن يعقوب الأموي / ولد في :247 / توفي في :346 | ثقة حافظ |
أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ | الحاكم النيسابوري / ولد في :321 / توفي في :405 | ثقة حافظ |