باب الدليل على ان الايمان والاسلام على الاطلاق عبارتان عن دين واحد


تفسير

رقم الحديث : 31

أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ ، أنبا أَبُو الْحُسَيْنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عِيسَى الدِّهْقَانُ بِالْكُوفَةِ ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ حَازِمِ بْنِ أَبِي عَرَزَةَ الْغِفَارِيُّ ، ثنا جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ ، عَنْ أَبِي الْعُمَيْسِ ، عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ ، عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ ، أَنَّ رَجُلا مِنَ الْيَهُودِ قَالَ لِعُمَرَ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ! آيَةٌ فِي كِتَابِكُمْ تَقْرَءُونَهَا ، لَوْ عَلَيْنَا مَعْشَرَ الْيَهُودِ نَزَلَتْ لاتَّخَذْنَا ذَلِكَ الْيَوْمَ عِيدًا ، قَالَ : أَيُّ آيَةٍ ؟ قَالَ : الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا سورة المائدة آية 3 ، فَقَالَ عُمَرُ : قَدْ عَرَفْنَا ذَلِكَ الْيَوْمَ وَالْمَكَانَ الَّذِي أُنْزِلَتْ فِيهِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، بِعَرَفَاتٍ يَوْمَ جُمُعَةٍ ، ، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ الصَّبَّاحِ ، وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ ، عَنْ عَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ ، كِلاهُمَا عَنْ جَعْفَرِ بْنِ عَوْنٍ ، وَذَهَبَ بَعْضُ مَنْ قَالَ بِزِيَادَةِ الإِيمَانِ وَنُقْصَانِهِ إِلَى أَنَّهُ إِذَا ارْتَكَبَ مَعْصِيَةً فَإِنَّهَا تُحْبِطُ مِمَّا تَقَدَّمَهَا مِنَ الطَّاعَاتِ بِقَدْرِهَا ، وَحَتَّى ارْتَقَى بَعْضُهُمْ إِلَى أَصْلِ الإِيمَانِ غَيْرَ أَنَّهُ لا يَقُولُ بِالتَّخْلِيدِ ، وَأَمْرُهُ مَوْكُولٌ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى ، إِنْ شَاءَ عَفَا عَنْهُ بِرَحْمَتِهِ ، أَوْ بِشَفَاعَةِ الشَّافِعِينَ ، وَإِنْ شَاءَ عَاقَبَهُ بِذُنُوبِهِ ، ثُمَّ أَدْخَلَهُ الْجَنَّةَ بِرَحْمَتِهِ ، وَاحْتَجَّ بَعْضُ مَنْ قَالَ بِقَوْلِهِمْ : بِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ سورة الحجرات آية 2 ، إِنَّمَا أَرَادَ بِذَلِكَ أَنَّ رَفْعَ الصَّوْتِ فَوْقَ صَوْتِهِ يَقَعُ مَعْصِيَةً ، فَيَخْرُجُ إِيمَانُ الْوَاقِعِ ، وَيَحْبَطُ بَعْضُ عَمَلِهِ ، وَاحْتَجَّ أَيْضًا بِقَوْلِهِ : يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالأَذَى سورة البقرة آية 264 ، قَالَ الْحَلِيمِيُّ ، رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى : وَقَدْ يَخْرُجُ هَذَا عَلَى غَيْرِ مَا قَالَهُ الْمُحْتَجُّ بِهِ ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى : لا يَحْمِلَنَّكُمْ أَيُّهَا الْمُهَاجِرُونَ هِجْرَتُكُمْ مَعَهُ ، وَلا أَيُّهَا الأَنْصَارُ إِيوَاؤُكُمْ إِيَّاهُ عَلَى أَنْ تُضَيِّعُوا حُرْمَتَهُ ، وَتَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِهِ ، فَتَكُونُوا بِذَلِكَ صَارِفِينَ مَا تَقَدَّمَ مِنْكُمْ مِنَ الْهِجْرَةِ ، وَالإِيوَاءِ ، وَالنُّصْرَةِ عَنِ ابْتِغَاءِ وَجْهِ اللَّهِ بِهِ ، إِلَى غَرَضٍ غَيْرِهِ ، وَوَجْهٍ سِوَاهُ ، فَلا تَسْتَوْجِبُوا بِهِ مَعَ ذَلِكَ أَجْرًا ، وَيَخْرُجُ عَلَى وَجْهٍ آخَرَ وَهُوَ أَنْ يُقَالَ : وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ سورة الحجرات آية 2 ، فَإِنَّ ذَلِكَ قَدْ يَبْلُغُ بِكُمْ حَدَّ الإِزْرَاءِ بِهِ ، وَالاسْتِخْفَافِ لَهُ ، فَتَكْفُرُوا ، وَتَحْبَطُ أَعْمَالُكُمْ إِلا أَنْ تَتُوبُوا وَتُسْلِمُوا ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ : لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالأَذَى سورة البقرة آية 264 ، فَلَيْسَ عَلَى أن الْمَنِّ يُحْبِطُ الصَّدَقَةَ ، وَإِنَّمَا وَجْهُهُ أَنَّ الصَّدَقَةَ يَبْتَغَى بِهَا وَجْهَ اللَّهِ تَعَالَى جَدُّهُ ، وَهُوَ الْمَأْمُولُ مِنْهُ ثَوَابًها ، فَإِذَا مَنَّ الْمُتَصَدِّقُ عَلَى السَّائِلِ وَآذَاهُ بِالتَّعْيِيرِ فَقَدْ صَرَفَهَا عَنِ ابْتِغَاءِ وَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى بِهَا إِلَى وَجْهِ السَّائِلِ ، فَحَبِطَ أَجْرُهُ عِنْدَ اللَّهِ لِهَذَا فُضِّلَتْ عِنْدَ الْمُتَصَدِّقِ عَلَيْهِ مَعَ ذَلِكَ ، لأَنَّهُ إِنْ كَانَ حَبَاهُ فَقَدْ آذَاهُ ، وَإِنْ كَانَ أَعْطَاهُ ، فَقَدْ أَخْزَاهُ ، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ عَلَى مَعْنَى إِفْسَادِ الطَّاعَةِ بِالْمَعْصِيَةِ ، لَمْ يَخْتَصَّ بِالْبُطْلانِ صَدَقَتُهُ . وَبَسَطَ الْكَلامَ فِيهِ ، إِلَى أَنْ قَالَ : وَإِنَّ مِنَ الطَّعْنِ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ أَنَّ سَيِّئَاتِ الْمُؤْمِنِ مُتَنَاهِيَةُ الْجَزَاءِ ، وَحَسَنَاتِهِ لَيْسَتْ بِمُتَنَاهِيَةٍ ، لأَنَّ مَعَ ثَوَابِهَا الْخُلُودَ فِي الْجَنَّةِ ، فَلا يُتَوَهَّمُ أَنْ يَكُونَ التَّبَعَةُ الْمُتَنَاهِيَةُ الَّتِي يَسْتَحِقُّهَا الْمُؤْمِنُ بِسَيِّئَةٍ تَأْتِي عَلَى ثَوَابِ حَسَنَةٍ لا نِهَايَةَ لَهُ ، فَأَمَّا قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَنِ اقْتَنَى كَلْبًا إِلا كَلْبَ صَيْدٍ أَوْ مَاشِيَةٍ ، فَإِنَّهُ يَنْقُصُ مِنْ عَمَلِهِ كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطَانِ " ، فَإِنَّمَا هُوَ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِ عَمَلِهِ كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطَانِ ، وَهُوَ فِي أَكْثَرِ الرِّوَايَةِ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ أَجْرِهِ وَفِي بَعْضِهَا مِنْ عَمَلِهِ ، قَالَ الْحَلِيمِيُّ : وَإِنَّمَا هُوَ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ يُحْرَمُ لأَجْلِ هَذِهِ السَّيِّئَةِ بَعْضَ ثَوَابِ عَمَلِهِ ، وَلَسْنَا نُنْكِرُ جَوَازَ أَنْ يُحْرِمَ اللَّهُ تَعَالَى الْمُؤْمِنَ بَعْضَ جَزَاءِ حَسَنَاتِهِ وَيُقَلِّلَ ثَوَابَهُ لأَجْلِ سَيِّئَةٍ ، أَوْ سَيِّئَاتٍ تَكُونُ مِنْهُ ، وَإِنَّمَا أَنْكَرْنَا قَوْلَ مَنْ يَقُولُ : أنَّ السَّيِّئَةَ قَدْ تُحْبِطُ الطَّاعَةَ ، أَوْ تُوجِبُ إِبْطَالَ ثَوَابِهَا أَصْلا ، وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِهِ كِتَابٌ ، وَلا خَبَرٌ ، وَلا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مَعَ ثُبُوتِ الْخُلُودِ لِلْمُؤْمِنِينَ فِي الْجَنَّةِ ، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ . قَالَ الإِمَامُ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَيْهَقِيُّ ، رَحِمَهُ اللَّهُ : وَأَمَّا قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " أَتَدْرُونَ مَا الْمُفْلِسُ ؟ " ، قَالُوا : الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لا دِرْهَمَ لَهُ ، وَلا مَتَاعَ ، قَالَ : " إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي رَجُلٌ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلاةٍ ، وَصِيَامٍ ، وَزَكَاةٍ ، وَيَأْتِي وَقَدْ شَتَمَ هَذَا ، وَقَذَفَ هَذَا ، وَأَكَلَ مَالَ هَذَا ، وَسَفَكَ دَمَ هَذَا ، وَضَرَبَ هَذَا ، فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ ، وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ ، فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ ، ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ " ، فَهَذَا إِنَّمَا احْتَجَّ بِهِ مَنْ قَالَ : بِإِحْبَاطِ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةِ ، وَوَجْهُهُ عِنْدِي ، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ ، أَنَّهُ يُعْطَى خُصَمَاؤُهُ مِنْ أَجْرِ حَسَنَاتِهِ ، مَا يُوَازِي عُقُوبَةَ سَيِّئَاتِهِ ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ أَيْ أَجْرُ حَسَنَاتِهِ الَّذِي قُوبِلَ بِعُقُوبَةِ سَيِّئَاتِهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ ، فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ ، وَطُرِحَ فِي النَّارِ كَيْ يُعَذَّبَ بِهَا إِنْ لَمْ يُغْفَرْ لَهُ ، حَتَّى إِذَا انْتَهَتْ عُقُوبَةُ تِلْكَ الْخَطَايَا رُدَّ إِلَى الْجَنَّةِ بِمَا كُتِبَ لَهُ مِنَ الْخُلُودِ ، وَلا يُعْطَى خُصَمَاؤُهُ مَا زَادَ مِنَ الأَجْرِ عَلَى مَا قَابَلَ عُقُوبَةَ سَيِّئَاتِهِ ، لأَنَّ ذَلِكَ فَضْلٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى يَخُصُّ بِهِ مَنْ وَافَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُؤْمِنًا ، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ .

الرواه :

الأسم الرتبة

Whoops, looks like something went wrong.