الثاني من شعب الايمان وهو باب في الايمان برسل الله صلوات الله عليهم عامة


تفسير

رقم الحديث : 121

أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ ، ثنا أَبُو زَكَرِيَّا الْعَنْبَرِيُّ ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلامِ ، ثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، أنبا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ ، ثنا إِسْرَائِيلُ ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ ، عَنْ عِكْرِمَةَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ : وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا سورة مريم آية 41 ، قَالَ : " كَانَ الأَنْبِيَاءُ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِلا عَشَرَةً : نُوحٌ ، وَصَالِحٌ ، وَهُودٌ ، وَلُوطٌ ، وَشُعَيْبُ ، وَإِبْرَاهِيمُ ، وَإِسْمَاعِيلُ ، وَإِسْحَاقُ ، وَيَعْقُوبُ ، وَمُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَلَمْ يَكُنْ مِنَ الأَنْبِيَاءِ مَنْ لَهُ اسْمَانِ إِلا إِسْرَائِيلُ ، وَعِيسَى ، فَإِسْرَائِيلُ يَعْقُوبُ ، وَعِيسَى : الْمَسِيحُ " ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ : وَالإِيمَانُ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَضَمَّنُ الإِيمَانَ لَهُ ، وَهُوَ قَبُولُ مَا جَاءَ بِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ عَنْهُ ، وَالْعَزْمُ عَلَى الْعَمَلِ بِهِ ، لأَنَّ تَصْدِيقَهُ فِي أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ إِلْزَامٌ لِطَاعَتِهِ ، وَهُوَ رَاجِعٌ إِلَى الإِيمَانِ بِاللَّهِ ، وَالإِيمَانِ لَهُ ، لأَنَّهُ مِنْ تَصْدِيقِ الرُّسُلِ ، وَفِي طَاعَةِ الرَّسُولِ طَاعَةُ الْمُرْسِلِ ، لأَنَّهُ بِأَمْرِهِ أَطَاعَهُ ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ سورة النساء آية 80 ، قَالَ : وَالنُّبُوَّةُ اسْمٌ مُشْتَقٌّ مِنَ النَّبَأ ، وَهُوَ الْخَبَرُ إِلا أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ خَبَرٌ خَاصٌّ ، وَهُوَ الَّذِي يُكْرِمُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهِ أَحَدًا مِنْ عِبَادِهِ ، فَيُمَيِّزُهُ عَنْ غَيْرِهِ بِإِلْقَائِهِ إِلَيْهِ ، وَيُوقِفُهُ بِهِ عَلَى شَرِيعَتِهِ بِمَا فِيهَا مِنْ أَمْرٍ ، وَنَهْيٍ ، وَوَعْظٍ ، وَإِرْشَادٍ ، وَوَعْدٍ ، وَوَعِيدٍ ، فَتَكُونُ النُّبُوَّةُ عَلَى هَذَا الْخَبَرِ وَالْمَعْرِفَةِ بِالْمُخْبَرَاتِ الْمَوْصُوفَةِ ، فَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ الْمُخْبِرُ بِهَا ، فَإِنِ انْضَافَ إِلَى هَذَا التَّوْقِيفِ أَمْرٌ بِتَبْلِيغِهِ النَّاسَ وَدُعَائِهِمْ إِلَيْهِ كَانَ نَبِيًّا رَسُولا ، وَإِنْ أُلْقِيَ إِلَيْهِ لِيَعْمَلَ بِهِ فِي خَاصَّتِهِ ، وَلَمْ يُؤْمَرْ بِتَبْلِيغِهِ ، وَالدُّعَاءِ إِلَيْهِ ، كَانَ نَبِيًّا ، وَلَمْ يَكُنْ رَسُولا ، فَكُلُّ رَسُولٍ نَبِيٌّ ، وَلَيْسَ كُلُّ نَبِيٍّ رَسُولا ، قَالَ : وَقَدْ أَرْشَدَ اللَّهُ تَعَالَى إِلَى أَعْلامِ النُّبُوَّةِ فِي الْقُرْآنِ ، كَمَا أَرْشَدَ إِلَى آيَاتِ الْحَدَثِ الدَّالَّةِ عَلَى الْخَالِقِ وَالْخَلْقِ ، فَقَالَ عَزَّ اسْمُهُ : لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ سورة الحديد آية 25 ، وَقَالَ : رُسُلا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ سورة النساء آية 165 ، وَقَالَ : وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُمْ بِعَذَابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزَى سورة طه آية 134 ، فَأَخْبَرَ تَعَالَى أَنَّهُ بَعَثَ الرُّسُلَ لِقَطْعِ حُجَّةِ الْعِبَادِ ، وَقِيلَ فِي ذَلِكَ وُجُوهٌ : أَحَدُهَا : إِنَّ الْحُجَّةَ الَّتِي قُطِعَتْ عَلَى الْعِبَادِ هِيَ أَنْ يَقُولُوا : إِنَّ اللَّهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ إِنْ كَانَ خَلَقَنَا لِنَعْبُدَهُ ، فَقَدْ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُبَيِّنَ لَنَا الْعِبَادَةَ الَّتِي يُرِيدُهَا مِنَّا وَيَرْضَاهَا لَنَا مَا هِيَ ؟ وَكَيْفَ هِيَ ؟ فَإِنَّهُ وَإِنْ كَانَ فِي عُقُولِنَا الاسْتِجْدَاءُ لَهُ ، وَالشُّكْرُ عَلَى نِعَمِهِ الَّتِي أَنْعَمَهَا عَلَيْنَا ، فَلَمْ يَكُنْ فِيهَا أَنَّ التَّذَلُّلَ وَالْعُبُودِيَّةَ مِنَّا بِمَاذَا يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ ، وَعَلَى أَيِّ وَجْهٍ يَنْبَغِي أَنْ تَظْهَرَ ، فَقُطِعَتْ حُجَّتُهُمْ بِأَنْ أُمِرُوا ، وَنُهُوا وَشُرِّعَتْ لَهُمُ الشَّرَائِعُ ، وَنُهِجَتْ لَهُمُ الْمَنَاهِجُ فَعَرَفُوا مَا يُرَادُ مِنْهُمْ ، وَزَالَتِ الشُّبْهَةُ عَنْهُمْ ، وَالآخَرُ : أَنَّ الْحُجَّةَ الَّتِي قُطِعَتْ هِيَ أَلا يَقُولُوا : إِنَّا رُكِّبْنَا تَرْكِيبَ شَهْوَةٍ ، وَغَفْلَةٍ ، وَسُلِّطَ عَلَيْنَا الْهَوَى ، وَوُضِعَتْ فِينَا الشَّهَوَاتِ ، فَلَوْ أُمْدِدْنَا بِمَنْ إِذَا سَهَوْنَا نَبَّهَنَا ، وَإِذَا مَالَ بِنَا الْهَوَى إِلَى وَجْهٍ قَوَّمَنَا لِمَا كَانَ مِنَّا إِلا الطَّاعَةَ ، وَلَكِنْ لَمَّا خُلِّينَا وَنُفُوسَنَا ، وَوُكِّلْنَا إِلَيْهَا ، وَكَانَتْ أَحْوَالُنَا مَا ذَكَرْنَا ، غَلَبَتِ الأَهْوَاءُ عَلَيْنَا ، وَلَمْ نَمْلِكْ قَهْرَهَا ، وَكَانَتِ الْمَعَاصِي مِنَّا لِذَلِكَ ، وَالثَّالِثُ : أَنَّ الْحُجَّةَ الَّتِي قُطِعَتْ هِيَ أَنْ لا يَقُولُوا : قَدْ كَانَ فِي عُقُولِنَا حُسْنُ الإِيمَانِ ، وَالصِّدْقِ ، وَالْعَدْلِ ، وَشُكْرِ الْمُنْعِمِ ، وَقُبْحِ الْكَذِبِ ، وَالْكُفْرِ ، وَالظُّلْمِ ، وَلَكِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا أَنَّ مَنْ تَرَكَ الْحَسَنَ إِلَى الْقَبِيحِ عُذِّبَ بِالنَّارِ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا ، وَأَنَّ مَنْ تَرَكَ الْقَبِيحَ إِلَى الْحَسَنِ أُثِيبَ بِالْجَنَّةِ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا ، لأَنَّهُ إِذَا كَانَ لا يُدْرِكُ بِالْعَقْلِ أَنَّ لِلَّهِ جَلَّ جَلالُهُ خَلْقًا هُوَ الْجَنَّةُ ، أَوْ خَلْقًا هُوَ النَّارُ الْغَائِبَةُ ، فَكَيْفَ يُدْرِكُ أَنَّ أَحَدَهُمَا مُعَدٌّ لِلْعُصَاةِ ، وَالآخَرَ لأَهْلِ طَاعَتِهِ ، وَلَوْ عَلِمْنَا أَنَّا نُعَذَّبُ عَلَى مَعَاصٍ ، وَذُنُوبٍ مُتَنَاهِيَةٍ عَذَابًا مُتَنَاهِيًا ، أَوْ غَيْرَ مُتَنَاهٍ ، أَوْ نُثَابُ بِالطَّاعَاتِ الْمُتَنَاهِيَةِ ثَوَابًا غَيْرَ مُتَنَاهٍ ، لَمَا كَانَ مِنَّا إِلا الطَّاعَةُ فَقَطَعَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى هَذِهِ الْحُجَجَ كُلَّهَا بِبَعْثِهِ الرُّسُلَ ، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ ، ثُمَّ إِنَّ الْحَلِيمِيَّ ، رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ، احْتَجَّ فِي صِحَّةِ بَعْثِ الرُّسُلِ بِمَا عَرَفَ مِنْ بُرُوجِ الْكَوَاكِبِ ، وَعَدَدِهَا وَسَيْرِهَا ، ثُمَّ بِمَا فِي الأَرْضِ مِمَّا يَكُونُ قُوتًا ، وَمَا يَكُونُ دَوَاءً لِدَاءٍ بِعَيْنِهِ ، وَمَا يَكُونُ سُمًّا ، وَمَا يَخْتَصُّ بِدَفْعِ ضَرَرِ السُّمِّ ، وَمَا يَخْتَصُّ بِجَبْرِ الْكَسْرِ ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْمَنَافِعِ ، وَالْمَضَارِّ الَّتِي لا تُدْرَكُ إِلا بِخَبَرٍ ، ثُمَّ بِوُجُودِ الْكَلامِ مِنَ النَّاسِ ، فَإِنَّ مَنْ وُلِدَ أَصَمَّ لَمْ يَنْطِقْ أَبَدًا ، وَمَنْ سَمِعَ لُغَةً ، وَنَشَأَ عَلَيْهَا تَكَلَّمَ بِهَا ، فَبَانَ بِهَذَا أَنَّ أَصْلَ الْكَلامِ سَمِعَ ، وَأَنَّ أَوَّلَ مَنْ تَكَلَّمَ مِنَ الْبَشَرِ تَكَلَّمَ عَنْ تَعْلِيمٍ وَوَحْيٍ كَمَا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا سورة البقرة آية 31 ، وَقَالَ تَعَالَى : خَلَقَ الإِنْسَانَ { 3 } عَلَّمَهُ الْبَيَانَ { 4 } سورة الرحمن آية 3-4 ، ثُمَّ إِنَّ كُلَّ رَسُولٍ أَرْسَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى إِلَى قَوْمٍ ، فَلَمْ يُخَلِّهِ مِنْ آيَةٍ أَيَّدَهُ بِهَا ، وَحُجَّةٍ آتَاهَا إِيَّاهُ ، وَجَعَلَ تِلْكَ الآيَةَ مُخَالِفَةً لِلْعَادَاتِ ، إِذْ كَانَ مَا يُرِيدُ الرَّسُولُ إِثْبَاتَهُ بِهَا مِنْ رِسَالَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَمْرًا خَارِجًا ، عَنِ الْعَادَاتِ لِيُسْتَدَلَّ بِاقْتِرَانِ تِلْكَ الآيَةِ بِدَعْوَاهُ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ ، وَبَسَطَ الْحَلِيمِيُّ ، رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ، الْكَلامَ فِي ذَلِكَ إِلَى أَنْ قَالَ : وَالْكَذِبُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى ، وَالافْتِرَاءُ عَلَيْهِ بِدَعْوَى الرِّسَالَةِ مِنْ عِنْدِهِ مِنْ أَعْظَمِ الْجِنَايَاتِ ، فَلا يَلِيقُ بِحِكْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى أَنْ يَظْهَرَ عَلَى مَنْ تَعَاطَى ذَلِكَ آيَةٌ نَاقِضَةٌ لِلْعَادَاتِ فَيَفْتَتِنَ الْعِبَادُ بِهِ ، وَقَدْ تَبَرَّأَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ هَذَا الصَّنِيعِ نَصًّا فِي كِتَابِهِ ، فَقَالَ : يَعْنِي نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأَقَاوِيلِ { 44 } لأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ { 45 } ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ { 46 } سورة الحاقة آية 44-46 ، قَالَ : وَكُلُّ آيَةٍ آتَاهَا اللَّهُ رَسُولا ، فَإِنَّهُ يُقَرِّرُ بِهَا عِنْدَ الرَّسُولِ أَوَّلا أَنَّهُ رَسُولُهُ حَقًّا ، ثُمَّ عِنْدَ غَيْرِهِ ، وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَخُصَّهُ بِآيَةٍ يَعْلَمُ بِهَا نُبُوَّةَ نَفْسِهِ ، ثُمَّ يَجْعَلُ لَهُ عَلَى قَوْمِهِ دَلالَةً سِوَاهَا ، وَمُعْجِزَاتُ الرُّسُلِ كَانَتْ أَصْنَافًا كَثِيرَةً ، وَقَدْ أَخْبَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : أَنَّهُ أَعْطَى مُوسَى عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلاةِ وَالسَّلامِ تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ الْعَصَا ، وَالْيَدَ ، وَالدَّمَ ، وَالطُّوفَانَ ، وَالْجَرَادَ ، وَالْقُمَّلَ ، وَالضَّفَادِعَ ، وَالطَّمْسَ ، وَالْبَحْرَ ، فَأَمَّا الْعَصَا فَكَانَتْ حُجَّتَهُ عَلَى الْمُلْحِدِينَ وَالسَّحَرَةِ جَمِيعًا ، وَكَانَ السِّحْرُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ فَاشِيًا ، فَلَمَّا انْقَلَبَتْ عَصَاهُ حَيَّةً تَسْعَى ، وَتَلَقَّفَتْ حِبَالَ السَّحَرَةِ وَعِصِيَّهُمْ ، عَلِمُوا أَنَّ حَرَكَتَهَا عَنْ حَيَاةِ حَادِثَةٍ فِيهَا بِالْحَقِيقَةِ ، وَلَيْسَتْ مِنْ جِنْسِ مَا يُتَخَيَّلُ بِالْحِيَلِ ، فَجَمَعَ ذَلِكَ الدَّلالَةَ عَلَى الصَّانِعِ ، وَعَلَى نُبُوَّتِهِ جَمِيعًا ، وَأَمَّا سَائِرُ الآيَاتِ الَّتِي لَمْ يَحْتَجْ إِلَيْهَا مَعَ السَّحَرَةِ ، فَكَانَتْ دَلالاتٍ عَلَى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ الْقَائِلِينَ بِالدَّهْرِ ، فَأَظْهَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهَا صِحَّةَ مَا أَخْبَرَهُمْ بِهِ مُوسَى عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلاةِ وَالسَّلامِ مِنْ أَنَّ لَهُ وَلَهُمْ رَبًّا وَخالِقًا ، وَأَلانَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْحَدِيدَ لِدَاوُدَ ، وَسَخَّرَ لَهُ الْجِبَالَ وَالطَّيْرَ ، وَكَانَتْ تُسَبِّحُ مَعَهُ بِالْعَشِيِّ وَالإِشْرَاقِ ، وَأَقْدَرَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلاةِ وَالسَّلامِ عَلَى الْكَلامِ فِي الْمَهْدِ ، وَكَانَ يَتَكَلَّمُ فِيهِ كَلامَ الْحُكَمَاءِ ، وَكَانَ يُحْيِي لَهُ الْمَوْتَى ، وَيُبْرِئُ ، بِدُعَائِهِ أَوْ بِيَدِهِ إِذَا مَسَحَ الأَكْمَهَ ، وَالأَبْرَصَ ، وَجَعَلَ لَهُ أَنْ يَجْعَلَ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ ، فَيَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ ، ثُمَّ أنَّهُ رَفَعَهُ مِنْ بَيْنِ الْيَهُودِ ، لَمَّا أَنْ أَرَادُوا قَتْلَهُ وَصَلْبَهُ ، فَعَصَمَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِذَلِكَ مِنْ أَنْ يَخْلُصَ أَلَمُ الْقَتْلِ ، وَالصَّلْبِ إِلَى بَدَنِهِ ، وَكَانَ الطِّبُّ عَامًّا غَالِبًا فِي زَمَانِهِ ، فَأَظْهَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِمَا أَجْرَاهُ عَلَى يَدَيْهِ ، وَعَجَزَ الْحُذَّاقُ مِنَ الأَطِبَّاءِ عَمَّا هُوَ أَقَلُّ مِنْ ذَلِكَ بِدَرَجَاتٍ كَثِيرَةٍ ، أَنَّ التعويلَ عَلَى الطَّبَائِعِ ، وَإِمْكَانَ مَا خَرَجَ عَنْهَا بَاطِلٌ بِأَنَّ لِلْعَالَمِ خَالِقًا ، وَمُدَبِّرًا ، وَدَلَّ بِإِظْهَارِهِ ذَلِكَ لَهُ وَبِدُعَائِهِ عَلَى صِدْقِهِ ، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ ، وَأَمَّا الْمُصْطَفَى نَبِيُّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاتَمُ النَّبِيِّينَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ وَعَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ الطَّيِّبِينَ ، وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ ، فَإِنَّهُ أَكْثَرُ الرُّسُلِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ ، وَذَكَرَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ أَعْلامَ نُبُوَّتِهِ تَبْلُغُ أَلْفًا ، فَأَمَّا الْعِلْمُ الَّذِي اقْتَرَنَ بِدَعْوَتِهِ ، وَلَمْ يَزَلْ يَتَزَايَدُ أَيَّامَ حَيَاتِهِ ، وَدَامَ فِي أُمَّتِهِ بَعْدَ وَفَاتِهِ ، فَهُوَ الْقُرْآنُ الْمُعْجِزُ الْمُبِينُ ، وَحَبْلُ اللَّهِ الْمَتِينُ الَّذِي هُوَ كَمَا وَصَفَهُ بِهِ مَنْ أَنْزَلَهُ ، فَقَالَ : وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ { 41 } لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ { 42 } سورة فصلت آية 41-42 ، وَقَالَ تَعَالَى : إِنَّهُ لَقُرْءَانٌ كَرِيمٌ { 77 } فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ { 78 } لا يَمَسُّهُ إِلا الْمُطَهَّرُونَ { 79 } تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ { 80 } سورة الواقعة آية 77-80 ، وَقَالَ : بَلْ هُوَ قُرْءَانٌ مَجِيدٌ { 21 } فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ { 22 } سورة البروج آية 21-22 ، وَقَالَ : إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ سورة آل عمران آية 62 ، وَقَالَ : وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ سورة الأنعام آية 155 ، وَقَالَ : إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ { 11 } فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ { 12 } فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ { 13 } مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ { 14 } بِأَيْدِي سَفَرَةٍ { 15 } كِرَامٍ بَرَرَةٍ { 16 } سورة عبس آية 11-16 ، وَقَالَ : قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْءَانِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا سورة الإسراء آية 88 ، فَأَبَانَ ، جَلَّ ثَنَاؤُهُ ، أَنَّهُ أَنْزَلَهُ عَلَى وَصْفٍ مُبَايِنٍ لأَوْصَافِ كَلامِ الْبَشَرِ ، لأَنَّهُ مَنْظُومٌ ، وَلَيْسَ بِمَنْثُورٍ ، وَنَظْمُهُ لَيْسَ نَظْمَ الرَّسَائِلِ ، وَلا نَظْمَ الْخُطَبِ ، وَلا نَظْمَ الأَشْعَارِ ، وَلا هُوَ كَأَسْجَاعِ الْكُهَّانِ ، وَأَعْلَمَهُ أَنَّ أَحَدًا لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَأْتِيَ بِمِثْلِهِ ، ثُمَّ أَمَرَهُ أَنْ يَتَحَدَّاهُمْ عَلَى الإِتْيَانِ بِمِثْلِهِ ، إِنِ ادَّعَوْا أَنَّهُمْ يَقْدِرُونَ عَلَيْهِ أَوْ ظَنُّوهُ ، فَقَالَ تَعَالَى : قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ سورة هود آية 13 ، ثُمَّ نَقَصَهُمْ تِسْعًا ، فَقَالَ : فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ سورة البقرة آية 23 ، فَكَانَ مِنَ الأَمْرِ مَا نِصْفُهُ ، غَيْرَ أَنَّ مِنْ قَبْلِ ذَلِكَ دَلالَةً ، وَهِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ غَيْرَ مَدْفُوعٍ عِنْدَ الْمُوَافِقِ وَالْمُخَالِفِ عَنِ الْحَصَافَةِ وَالْمَتَانَةِ وَقُوَّةِ الْعَقْلِ وَالرَّأْيِ ، وَمَنْ كَانَ بِهَذِهِ الْمَنْزِلَةِ ، وَكَانَ مَعَ ذَلِكَ قَدِ انْتَصَبَ لِدَعْوَةِ النَّاسِ إِلَى دِينِهِ ، لَمْ يَجُزْ بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ أَنْ يَقُولَ لِلنَّاسِ : أَنِ ائْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِ مَا جِئْتُكُمْ بِهِ مِنَ الْقُرْآنِ ، وَلَنْ تَسْتَطِيعُوهُ ، إِنْ أَتَيْتُمْ بِهِ ، فَأَنَا كَاذِبٌ وَهُوَ يَعْلَمُ مِنْ نَفْسِهِ أَنَّ الْقُرْآنَ لَمْ يَنْزِلْ عَلَيْهِ ، وَلا يَأْمَنُ أَنْ يَكُونَ فِي قَوْمِهِ مَنْ يُعَارِضُهُ ، وَأَنَّ ذَلِكَ إِنْ كَانَ بَطَلَتْ دَعْوَاهُ ، فَهَذَا إِلَى أَنْ يُذْكَرَ مَا بَعْدَهُ دَلِيلٌ قَاطِعٌ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَقُلْ لِلْعَرَبِ : أَنِ ائْتُوا بِمِثْلِهِ إِنِ اسْتَطَعْتُمُوهُ ، وَلَنْ تَسْتَطِيعُوهُ إِلا وَهُوَ وَاثِقٌ مُتَحَقِّقٌ أَنَّهُمْ لا يَسْتَطِيعُونَهُ ، وَلا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْيَقِينُ وَقَعَ لَهُ إِلا مِنْ قِبَلِ رَبِّهِ الَّذِي أَوْحَى إِلَيْهِ بِهِ ، فَوَثِقَ بِخَبَرِهِ ، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ ، وَأَمَّا مَا بَعْدَ هَذَا ، فَهُوَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُمْ : " ائْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ " ، فَطَالَتِ الْمُهْلَةُ وَالنَّظِرَةُ لَهُمْ فِي ذَلِكَ ، وَتَوَاتَرَتِ الْوَقَائِعُ وَالْحُرُوبُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ ، فَقُتِلَتْ صَنَادِيدُهُمْ ، وَسُبِيَتْ ذَرَارِيُّهُمْ وَنِسَاؤُهُمْ ، وَانْتُهِبَتْ أَمْوَالُهُمْ ، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ أَحَدُ لمُعَارَضَتِهِ ، فَلَوْ قَدَرُوا عَلَيْهَا لافْتَدَوْا بِهَا أَنْفُسَهُمْ ، وَأَوْلادَهُمْ وَأهَالِيهِمْ وَأَمْوَالَهُمْ ، وَلَكَانَ الأَمْرُ فِي ذَلِكَ قَرِيبًا سَهْلا عَلَيْهِمْ إِذْ كَانُوا أَهْلَ لِسَانٍ ، وَفَصَاحَةٍ ، وَشِعْرٍ ، وَخَطَابَةٍ ، فَلَمَّا لَمْ يَأْتُوا بِذَلِكَ وَلا ادَّعُوهُ صَحَّ أَنَّهُمْ كَانُوا عَاجِزِينَ عَنْهُ ، وَفِي ظُهُورِ عَجْزِهِمْ بَيَانُ أَنَّهُ فِي الْعَجْزِ مِثْلُهُمْ ، إِذْ كَانَ بَشَرًا مِثْلُهُمْ ، لِسَانُهُ لِسَانُهُمْ ، وَعَادَتُهُ عَادَتُهُمْ ، وَطِبَاعُهُ وَطِبَاعُهُمْ ، وَزَمَانُهُ زَمَانُهُمْ ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ ، وَقَدْ جَاءَ الْقُرْآنُ فَوَجَبَ الْقَطْعُ بِأَنَّهُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ تَعَالَى جَدُّهُ لا مِنْ عِنْدِهِ ، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ ، فَإِنْ ذَكَرُوا سَجْعَ مُسَيْلِمَةَ ، فَكُلُّ مَا جَاءَ بِهِ مُسَيْلِمَةُ لا يَعْدُو أَنْ يَكُونَ بَعْضُهُ مُحَاكَاةً وَسَرِقَةً ، وَبَعْضُهُ كَأَسَاجِيعِ الْكُهَّانِ ، وَأَرَاجِيزِ الْعَرَبِ ، وَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ مَا هُوَ أَحْسَنُ لَفْظًا ، وَأَقُومُ مَعْنًى ، وَأَبَيْنُ فَائِدَةً ، ثُمَّ لَمْ تَقُلْ لَهُ الْعَرَبُ هَا أَنْتَ تَتَحَدَّانَا عَلَى الإِتْيَانِ بِمِثْلِ الْقُرْآنِ ، وَتَزْعُمُ أَنَّ الإِنْسَ وَالْجِنَّ لَوِ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِهِ لَمْ يَقْدِرُوا عَلَيْهِ ، ثُمَّ قَدْ جِئْتَ بِمِثْلِهِ مُفْتَرًى بِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ، وَذَلِكَ قَوْلُهُ : " أَنَا النَّبِيُّ لا كَذِبْ أَنَا ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبْ " وقوله : " تَاللَّهِ لَوْلا اللَّهُ مَا اهْتَدَيْنَا وَلا تَصَدَّقْنَا وَلا صَلَّيْنَا فَأَنْزِلَنْ سَكِينَةً عَلَيْنَا وَثَبِّتِ الأَقْدَامَ إِنْ لاقَيْنَا " وَقَوْلُهُ : " إِنَّ الْعَيْشَ عَيْشُ الآخِرَهْ فَارْحَمِ الأَنْصَارَ وَالْمُهَاجِرِهْ " وَقَوْلُهُ : " تَعِسَ عَبْدُ الدِّينَارِ ، وَالدِّرْهَمِ ، وَعَبْدِ الْخَمِيصَةِ ، إِنْ أُعْطِيَ مِنْهَا رَضِيَ ، وَإِنْ لَمْ يُعْطَ سَخِطَ ، تَعِسَ ، وَانْتَكَسَ , وَإِنْ شِيكَ ، فَلا انْتَقَشَ " ، فَلَمْ يَدَّعِ أَحَدٌ مِنَ الْعَرَبِ أَنَّ شَيْئًا مِنْ هَذَا يُشْبِهُ الْقُرْآنَ ، وَأَنَّ فِيهِ كَثِيرًا كَقَوْلِهِ ، وَحَكَى الأُسْتَاذُ أَبُو مَنْصُورٍ الأَشْعَرِيُّ ، رَحِمَهُ اللَّهُ ، فِيمَا كَتَبَ إِلَيَّ ، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا ، أَنَّهُ قَالَ : يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ هَذَا النَّظْمُ قَدْ كَانَ فِيمَا بَيْنَهُمْ فَعَجَزُوا عَنْهُ عِنْدَ التَّحَدِّي ، فَصَارَ مُعْجِزَةً لأَنَّ إِخْرَاجَ مَا فِي الْعَادَةِ عَنِ الْعَادَةِ نَقْضٌ لِلْعَادَةِ ، كَمَا أَنَّ إِدْخَالَ مَا لَيْسَ فِي الْعَادَةِ فِي الْفِعْلِ نَقْضٌ لِلْعَادَةِ ، وَبَسَطَ الْكَلامَ فِي شَرْحِهِ ، وَأَيُّهُمَا كَانَ ، فَقَدْ ظَهَرَتْ بِذَلِكَ مُعْجِزَتُهُ ، وَاعْتَرَفَتِ الْعَرَبُ بِقُصُورِهِمْ عَنْهُ ، وَعَجَزِهِمْ عَنِ الإِتْيَانِ بِمِثْلِهِ .

الرواه :

الأسم الرتبة
ابْنِ عَبَّاسٍ

صحابي

Whoops, looks like something went wrong.