باب كتب العهود التي كتبها رسول الله صلى الله عليه وسلم واصحابه لاهل الصلح


تفسير

رقم الحديث : 410

حَدَّثَنَا حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ ، عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ اسْتَعْمَلَ عُمَيْرَ بْنَ سَعِيدٍ , أَوْ سَعْدٍ عَلَى طَائِفَةٍ مِنَ الشَّامِ ، فَقَدِمَ عَلَيْهِ قَدْمَةً ، فَقَالَ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، إِنَّ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الرُّومِ مَدِينَةٌ , يُقَالَ لَهَا : عَرْبَسُوسُ ، وَإِنَّهُمْ لا يُخْفُونَ عَلَى عَدُوِّنَا مِنْ عَوَرَاتِنَا شَيْئًا ، وَلا يُظْهِرُونَنَا عَلَى عَوَرَاتِهِمْ ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ : " فَإِذَا قَدِمْتَ فَخَيِّرِهُمْ بَيْنَ أَنْ تُعْطِيَهُمْ مَكَانَ كُلِّ شَاةٍ شَاتَيْنٍ ، وَمَكَانَ كُلِّ بَعِيرٍ بَعِيرَيْنٍ ، وَمَكَانَ كُلِّ شَيْءٍ شَيْئَيْنِ , فَإِنْ رَضُوا بِذَلِكَ فَأَعْطِهِمْ ، وَخَرِّبْهَا , فَإِنْ أَبَوْا فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ وَأَجِّلْهُمْ سَنَةً ، ثُمَّ خَرِّبْهَا " ، فَقَالَ : اكْتُبْ لِي عَهْدًا بِذَلِكَ ، فَكَتَبَ لَهُ عَهْدًا ، فَلَمَّا قَدِمَ عُمَيْرٌ , عَلَيْهِمْ عَرَضَ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ ، فَأَبَوْا فَأَجَّلَهُمْ سَنَةً ثُمَّ أَخْرَبَهَا , قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ وَهَذِهِ مَدِينَةٌ بِالثَّغْرِ مِنْ نَاحِيَةِ الْحَدَثِ , يُقَالَ لَهَا : عَرْبَسُوسُ ، وَهِيَ مَعْرُوفَةٌ هُنَاكَ ، وَقَدْ كَانَ لَهُمْ عَهْدٌ ، فَصَارُوا إِلَى هَذَا ، وَإِنَّمَا نَرَى عُمَرَ عَرَضَ عَلَيْهِمْ مَا عَرَضَ مِنَ الْجَلاءِ وَأَنْ يُعْطُوا الضِّعْفَ مِنْ أَمْوَالِهِمْ ، لأَنَّهُ لَمْ يَتَحَقَّقْ ذَلِكَ عِنْدَهُ مِنْ أَمْرِهِمْ ، أَوْ أَنَّ النَّكْثَ كَانَ مِنْ طَوَائِفَ مِنْهُمْ دُونَ إِجْمَاعِهِمْ , وَلَوْ أَطْبَقَتْ جَمَاعَتُهُمْ عَلَيْهِ , مَا أَعْطَاهُمْ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا إِلا الْقِتَالَ , وَالْمُحَارَبَةَ ، وَقَدْ كَانَ نَحْوٌ مِنْ هَذَا قَرِيبًا الآنَ فِي دَهْرِ الأَوْزَاعِيِّ بِمَوْضِعٍ بِالشَّامِ ، يُقَالَ لَهُ : جَبَلُ لُبْنَانَ ، وَكَانَ بِهِ نَاسٌ مِنْ أَهْلِ الْعَهْدِ فَأَحْدَثُوا حَدَثًا ، وَعَلَى الشَّامِ يَوْمَئِذٍ صَالِحُ بْنُ عَلِيٍّ ، فَحَارَبَهُمْ وَأَجْلاهُمْ فَكَتَبَ إِلَيْهِ الأَوْزَاعِيُّ ، فِي مَا ذَكَرَ لَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ عَنْهُ ، بِرِسَالَةٍ طَوِيلَةٍ ، فِيهَا : قَدْ كَانَ مِنْ إِجْلاءِ أَهْلِ الذِّمَّةِ ، مِنْ أَهْلِ جَبَلِ لُبْنَانَ ، مِمَّا لَمْ يَكُنْ تَمَالأَ عَلَيْهِ خُرُوجُ مَنْ خَرَجَ مِنْهُمْ ، وَلَمْ تُطْبِقْ عَلَيْهِ جَمَاعَتُهُمْ ، فَقَتَلَ مِنْهُمْ طَائِفَةً ، وَرَجَعَ بَقِيَّتُهُمْ إِلَى قَرَاهُمْ ، فَكَيْفَ تُؤْخَذُ عَامَّةٌ بِعَمَلِ خَاصَّةٍ ؟ فَيَخْرُجُونَ مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ ؟ وَقَدْ بَلَغَنَا أَنَّ مِنْ حُكْمِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنَّهُ : لا يَأْخُذُ الْعَامَّةَ بِعَمَلِ الْخَاصَّةِ ، وَلَكِنْ يَأْخُذُ الْخَاصَّةَ بِعَمَلِ الْعَامَّةِ ، ثُمَّ يَبْعَثُهُمْ عَلَى أَعْمَالِهِمْ ، فَأَحَقُّ مَا اقْتُدِيَ بِهِ وَوُقِفَ عَلَيْهِ حُكْمُ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ، وَأَحَقُّ الْوَصَايَا : بِأَنْ تُحْفَظَ وَصِيَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَوْلُهُ : " مَنْ ظَلَمَ مُعَاهِدًا , أَوْ كَلَّفَهُ فَوْقَ طَاقَتِهِ , فَأَنَا حَجِيجُهُ ، وَمَنْ كَانَتْ لَهُ حُرْمَةٌ فِي دَمِهِ فَلَهُ فِي مَالِهِ , وَالْعَدْلُ عَلَيْهِ مِثْلُهَا , فَإِنَّهُمْ لَيْسُوا بِعَبِيدٍ , فَتَكُونُوا مِنْ تَحْوِيلِهِمْ مِنْ بَلَدٍ إِلَى بَلَدٍ فِي سَعَةٍ ، وَلَكِنَّهُمْ أَحْرَارٌ أَهْلُ ذِمَّةٍ ، يُرْجَمُ مُحْصِنُهُمْ عَلَى الْفَاحِشَةِ ، وَيُحَاصُّ نِسَاؤُهُمْ نِسَاءَنَا مِنْ تَزَوَّجَهُنَّ مِنَّا الْقَسَمُ ، وَالطَّلاقُ ، وَالْعِدَّةُ سَوَاءٌ " , ثُمَّ ذَكَرَ رِسَالَةً طَوِيلَةً , ثُمَّ كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ حَدَثٌ مِنْ أَهْلِ قُبْرُسَ ، وَهِيَ جَزِيرَةٌ فِي الْبَحْرِ بَيْنَ أَهْلِ الإِسْلامِ وَالرُّومِ ، قَدْ كَانَ مُعَاوِيَةُ صَالَحَهُمْ وَعَاهَدَهُمْ عَلَى خَرْجٍ يُؤَدُّونَهُ إِلَى الْمُسْلِمِينَ ، وَهُمْ مَعَ هَذَا يُؤَدُّونَ إِلَى الرُّومِ خَرْجًا أَيْضًا ، فَهُمْ ذِمَّةٌ لِلْفَرِيقَيْنِ كِلَيْهِمَا فَلَمْ يَزَالُوا عَلَى ذَلِكَ حَتَّى إِذَا كَانَ زَمَانُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ صَالِحٍ عَلَى الثُّغُورِ ، فَكَانَ مِنْهُمْ حَدَثٌ أَيْضًا ، أَوْ مِنْ بَعْضُهُمْ ، رَأَى عَبْدُ الْمَلِكِ أَنَّ ذَلِكَ نَكْثٌ لِعَهْدِهِمْ وَالْفُقَهَاءُ يَوْمَئِذٍ مُتَوَافِرُونَ ، فَكَتَبَ إِلَى عِدَّةٍ مِنْهُمْ يُشَاوِرُهُمْ فِي مُحَارَبَتِهِمْ ، فَكَانَ مِمَّنْ كَتَبَ إِلَيْهِ : اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ ، وَمَالِكُ بْنُ أَنَسٍ ، وَسُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ ، وَمُوسَى بْنُ أَعْيَنَ ، وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ ، وَيَحْيَى بْنُ حَمْزَةَ ، وَأَبُو إِسْحَاقَ الْفَزَارِيُّ ، وَمَخْلَدُ بْنُ حُسَيْنٍ ، فَكُلُّهُمْ أَجَابَهُ عَلَى كِتَابِهِ . فَوَجَدْتُ رَسَائِلَهُمْ إِلَيْهِ قَدِ اسْتَخْرَجْتُ مِنْ دِيوَانِهِ ، فَاحْتَضَرْتُ مِنْهَا الْمَعْنَى الَّذِي أَرَادُوهُ وَقَصَدُوا لَهُ ، وَقَدِ اخْتَلَفُوا عَلَيْهِ فِي الرَّأْيِ ، إِلا أَنَّ مَنْ أَمَرَهُ بِالْكَفِّ عَنْهُمْ وَالْوَفَاءِ لَهُمْ ، وَإِنْ غَدَرَ بَعْضُهُمْ ، أَكْثَرُ مِمَّنْ أَشَارَ بِالْمُحَارَبَةِ ، فَكَانَ فِي مَا كَتَبَ إِلَيْهِ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ : إِنَّ أَهْلَ قُبْرُسَ لَمْ نَزَلْ نَتَّهِمُهُمْ بِالْغِشِّ لأَهْلِ الإِسْلامِ وَالْمُنَاصَحَةِ لأَهْلِ الرُّومِ ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ سورة الأنفال آية 58 , وَلَمْ يَقُلْ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : لا تَنْبِذْ إِلَيْهِمْ حَتَّى تَسْتَبِينَ خِيَانَتَهُمْ , وَإِنِّي أَرَى أَنْ تَنْبِذَ إِلَيْهِمْ ، ثُمَّ يُنْظَرُوا سَنَةً يَأْتَمِرُونَ ، فَمَنْ أَحَبَّ مِنْهُمُ اللِّحَاقَ بِبِلادِ الْمُسْلِمِينَ ، عَلَى أَنْ يَكُونَ ذِمَّةً يُؤَدِّي الْخَرَاجَ فَعَلَ ، وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَنْتَحِي إِلَى الرُّومِ فَعَلَ ، وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يُقِيمَ بِقُبْرُسَ عَلَى الْحَرْبِ أَقَامَ ، فَيُقَاتِلُهُمُ الْمُسْلِمُونَ , كَمَا يُقَاتِلُونَ عَدُوَّهُمْ , فَإِنَّ فِي إِنْظَارِ سَنَةٍ قَطْعًا لِحُجَّتِهِمْ , وَوَفَاءً بِعَهْدِهِمْ ، وَكَانَ فِيمَا كَتَبَ إِلَيْهِ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ : إِنَّا لا نَعْلَمُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَاهَدَ قَوْمًا فَنَقَضُوا الْعَهْدَ , إِلا اسْتَحَلَّ قَتْلَهُمْ ، غَيْرَ أَهْلِ مَكَّةَ فَإِنَّهُ مَنَّ عَلَيْهِمْ ، وَإِنَّمَا كَانَ نَقْضُهُمُ الَّذِي اسْتَحَلَّ بِهِ غَزْوَهُمْ , أَنْ قَاتَلْتَ حُلَفَاؤُهُمْ مِنْ بَنِي بَكْرٍ حُلَفَاءَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ خُزَاعَةَ , فَنَصَرَ أَهْلُ مَكَّةَ بَنِي بَكْرٍ عَلَى حُلَفَائِهِ ، فَاسْتَحَلَّ بِذَلِكَ غَزْوَهُمْ ، وَنَزَلَتْ فِي الَّذِينَ نَقَضُوا : أَلا تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُمْ بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ { 13 } قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ سورة التوبة آية 13-14 , وَنَزَلَتْ فِيهِمْ أَيْضًا : إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ { 55 } الَّذِينَ عَاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لا يَتَّقُونَ { 56 } فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ سورة الأنفال آية 55-57 , وَكَانَ فِيمَا أَخَذَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَهْلِ نَجْرَانَ فِي صُلْحِهِ : " أَنَّ مَنَ أَكَلَ مِنْهُمْ رِبًا مِنْ ذِي قَبْلُ فَذِمَّتِي مِنْهُ بَرِيئَةٌ " , وَالَّذِي انْتَهَى إِلَيْنَا مِنَ الْعِلْمِ : " أَنَّ مَنَ نَقَضَ شَيْئًا مِمَّا عُوهِدَ عَلَيْهِ ، ثُمَّ أَجْمَعَ الْقَوْمُ عَلَى نَقَضِهِ ، فَلا ذِمَّةَ لَهُمْ " , وَكَانَ فِي مَا كَتَبَ إِلَيْهِ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ : " إِنَّ أَمَانَ أَهْلِ قُبْرُسَ كَانَ قَدِيمًا مُتَظَاهِرًا مِنَ الْولاةِ لَهُمْ ، يَرَوْنَ أَنَّ أَمَانَهُمْ وَإِقْرَارَهُمْ عَلَى حَالِهِمْ ذُلٌّ وَصَغَارٌ لَهُمْ ، وَقُوَّةٌ لِلْمُسْلِمِينَ عَلَيْهِمْ : لِمَا يَأْخُذُونَ مِنْ جِزْيَتِهِمْ وَيُصِيبُونَ بِهِمْ مِنَ الْفُرْصَةِ عَلَى عَدُوِّهِمْ وَلَمْ أَجِدْ أَحَدًا مِنَ الْولاةِ نَقَضَ صُلْحَهُمْ ، وَلا أَخْرَجَهُمْ مِنْ مَكَانِهِمْ ، وَأَنَا أَرَى أَنْ لا تَعْجَلْ بِنَقْضِ عَهْدِهِمْ وَمُنَابَذَتِهِمْ حَتَّى يُعْذَرَ إِلَيْهِمْ ، وَتُؤْخَذَ الْحُجَّةُ عَلَيْهِمْ ، فَإِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَقُولُ : فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ سورة التوبة آية 4 , فَإِنْ لَمْ يَسْتَقِيمُوا بَعْدَ ذَلِكَ وَيَتْرُكُوا غِشَّهُمْ وَرَأَيْتَ أَنَّ الْغَدْرَ يَأْتِي مِنْ قِبَلِهِمْ , أَوْقَعْتَ بِهِمْ عِنْدَ ذَلِكَ ، وَكَانَ بَعْدَ الإِعْذَارِ إِلَيْهِمْ ، فَكَانَ أَقْوَى لَكَ عَلَيْهِمْ ، وَأَقْرَبَ مِنَ النَّصْرِ لَكَ , وَالْخِزْيِ لَهُمْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ " , وَكَانَ فِيمَا كَتَبَ إِلَيْهِ مُوسَى بْنُ أَعْيَنَ : " إِنَّهُ قَدْ كَانَ يَكُونُ مِثْلُ هَذَا فِيمَا خَلا ، فَيَنْظُرُ فِيهِ الْولاةُ ، وَلَمْ أَرَ أَحَدًا مِمَّنْ مَضَى نَقَضَ عَهْدَ أَهْلِ قُبْرُسَ ، وَلا غَيْرِهَا ، وَلَعَلَّ جَمَاعَتَهُمْ لَمْ تُمَالِئْ عَلَى مَا كَانَ مِنْ خَاصَّتِهِمْ ، وَإِنِّي أَرَى الْوَفَاءَ لَهُمْ وَإِتْمَامَ تِلْكَ الشُّرُوطِ ، وَإِنْ كَانَ مِنْهُمُ الَّذِي كَانَ " , قَالَ مُوسَى : وَقَدْ سَمِعْتُ الأَوْزَاعِيَّ , يَقُولُ فِي قَوْمٍ صَالَحُوا الْمُسْلِمِينَ ثُمَّ أَخْبَرُوا الْمُشْرِكِينَ بِعَوْرَتِهِمْ وَدَلُّوهُمْ عَلَيْهَا , قَالَ : " إِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ فَقَدْ نَقَضَ عَهْدَهُ ، وَخَرَجَ مِنْ ذِمَّتِهِ ، فَإِنْ شَاءَ الْوَالِي قَتَلَهُ وَصَلَبَهُ , وَإِنْ كَانَ مُصَالِحًا لَمْ يَدْخُلْ ذِمَّةً نَبَذَ إِلَيْهِمُ الْوَالِي عَلَى سَوَاءٍ : إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ سورة الأنفال آية 58 , وَكَانَ فِي مَا كَتَبَ إِلَيْهِ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ : إِنَّ أَهْلَ قُبْرُسَ أَذِلاءُ مَقْهُورُونَ ، تَغْلِبُهُمُ الرُّومُ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَنِسَائِهِمْ ، فَقَدْ يَحِقُّ عَلَيْنَا أَنْ نَمْنَعَهُمْ وَنَحْمِيهِمْ ، وَقَدْ كَتَبَ حَبِيبُ بْنُ مَسْلَمَةَ فِي عَهْدِهِ وَأَمَانِهِ لأَهْلِ أَرْمِينِيَةَ : إِنَّهُ إِنْ عَرَضَ لِلْمُسْلِمِينَ شُغْلٌ عَنْكُمْ وَقَهْرِكُمْ فَإِنَّكُمْ غَيْرُ مَأْخُوذِينَ ، وَلا نَاقِضٌ ذَلِكَ عَهْدَكُمْ ، بَعْدَ أَنْ تَفُوا لِلْمُسْلِمِينَ ، وَإِنِّي أَرَى أَنْ يُقَرُّوا عَلَى عَهْدِهِمْ وَذِمَّتِهِمْ ، فَإِنَّ الْوَلِيدَ بْنَ يَزِيدَ قَدْ كَانَ أَجْلاهُمْ إِلَى الشَّامِ ، فَاسْتَقْطَعَ ذَلِكَ , وَاسْتَعْظَمَهُ فُقَهَاءُ الْمُسْلِمِينَ ، فَلَمَّا وَلِيَ يَزِيدُ بْنُ الْوَلِيدِ رَدَّهُمْ إِلَى قُبْرُسَ ، فَاسْتَحْسَنَ الْمُسْلِمُونَ ذَلِكَ وَرَأَوْهُ عَدْلا " , وَكَانَ فِيمَا كَتَبَ إِلَيْهِ يَحْيَى بْنُ حَمْزَةَ : " إِنَّ أَمْرَ قُبْرُسَ كَأَمْرِ عَرْبَسُوسَ ، فَإِنَّ فِيهَا قُدْوَةً حَسَنَةً وَسُنَّةً مُتَّبَعَةً ، فَإِنْ صَارَتْ قُبْرُسُ لِعَدُوِّ الْمُسْلِمِينَ إِلَى مَا صَارَتْ إِلَيْهِ عَرْبَسُوسُ ، فَإِنَّ تَرْكَهَا عَلَى حَالِهَا وَالصَّبْرَ عَلَى مَا كَانَ فِيهَا ، لِمَا فِي ذَلِكَ لِلْمُسْلِمِينَ مِنْ جَزَيْتِهَا , وَمَا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ مِمَّا فِيهَا أَفْضَلُ ، وَإِنَّمَا كَانَ أَمَانُهَا وَتَرْكُهَا لِذَلِكَ , وَلَيْسَ مِنْ أَهْلِ عَهْدٍ بِمِثْلِ مَنْزِلَتِهِمْ فِيمَا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَبَيْنَ عَدُوِّهِمْ , إِلا وَمِثْلُ ذَلِكَ يُتَّقَى مِنْهُمْ قَدِيمًا وَحَدِيثًا ، وَكُلُّ أَهْلِ عَهْدٍ لَمْ يُقَاتِلِ الْمُسْلِمُونَ مِنْ وَرَائِهِمْ وَتَمْضِ أَحْكَامُهُمْ فِيهِمْ ، فَلَيْسُوا بِذِمَّةٍ ، وَلَكِنَّهُمْ أَهْلُ فِدْيَةٍ ، يُكَفُّ عَنْهُمْ مَا كَفُّوا ، وَيُوَفَّى لَهُمْ بِعَهْدِهِمْ مَا وَفَّوْا ، وَيُقْبَلُ مِنْهُمْ عَفْوُهُمْ مَا أَدَّوْا ، وَلا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونُ ذَلِكَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ إِلَيْهِمْ إِلا بَعْدَ تَقِيَّةٍ يَتَّقُونَهَا مِنْهُمْ أَوْ ضَعْفٍ عَنْ مُحَارَبَتِهِمْ ، أَوْ شُغْلٍ عَنْهُمْ بِغَيْرِهِمْ " ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ : " أَنَّهُ كَرِهَ أَنْ يُصَالِحَ أَحَدًا مِنَ الْعَدُوِّ عَلَى شَيْءٍ مَعْلُومٍ ، إِلا أَنْ يَكُونَ الْمُسْلِمُونَ مُضْطَرِينَ إِلَى صُلْحِهِمْ , لأَنَّهُ لا يَدْرِي لَعَلَّهُمْ يَكُونُونَ أَغْنِيَاءَ أَعِزَّاءَ فِي صُلْحِهِمْ ، لَيْسَتْ عَلَيْهِمْ ذِلَّةٌ وَلا صَغَارٌ , وَكَانَ فِي مَا كَتَبَ إِلَيْهِ أَبُو إِسْحَاقَ ، وَمَخْلَدِ بْنِ حُسَيْنٍ : وَإِنْ لَمْ نَرَ شَيْئًا أَشْبَهَ بِأَمْرِ قُبْرُسَ مِنْ أَمْرِ عَرْبَسُوسَ ، وَمَا حَكَمَ فِيهَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ " ، ثُمَّ ذَكَرَا : مِثْلَ الْحَدِيثِ الَّذِي مَا ذَكَرْنَاهُ فِيهَا ، وَقَدْ كَانَ الأَوْزَاعِيُّ يُحَدِّثُ " أَنَّ الْمُسْلِمِينَ فَتَحُوا قُبْرُسَ ، فَتَرَكُوا أَهْلَهَا عَلَى حَالِهِمْ ، وَصَالَحُوهُمْ عَلَى أَرْبَعَةَ عَشَرَ أَلْفِ دِينَارٍ : سَبْعَةُ آلافٍ لِلْمُسْلِمِينَ ، وَسَبْعَةُ آلافٍ لِلرُّومِ ، عَلَى أَنْ لا يَكْتُمُوا الْمُسْلِمِينَ أَمْرَ عَدُوِّهِمْ ، وَلا يَكْتُمُوا الرُّومُ أَمْرَ الْمُسْلِمِينَ ، فَكَانَ الأَوْزَاعِيُّ , يَقُولُ : مَا وَفَّى لَنَا أَهْلُ قُبْرُسَ قَطُّ ، وَإِنَّا نَرَى أَنَّ هَؤُلاءِ الْقَوْمَ أَهْلُ عَهْدٍ ، وَأَنَّ صُلْحَهُمْ وَقَعَ عَلَى شَيْءٍ فِيهِ شَرْطٌ لَهُمْ وَشَرْطٌ عَلَيْهِمْ ، وَأَنَّهَ لا يَسْتَقِيمُ نَقْضُهُ إِلا بِأَمْرٍ يُعْرَفُ بِهِ غَدْرُهُمْ وَنَكْثُ عَهْدِهِمْ , فَأَرَى أَكْثَرَهُمْ قَدْ وَكَّدَ الْعَهْدَ , وَنَهَى عَنْ مُحَارَبَتِهِمْ حَتَّى يُجْمِعُوا جَمِيعًا عَلَى النَّكْثِ ، وَهَذَا أَوْلَى الْقَوْلَيْنِ بِأَنْ يُتَّبَعَ , وَأَنْ لا يُؤْخَذَ الْعَوَّامُ بِجِنَايَةِ الْخَاصَّةِ ، إِلا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ بِمُمَالأَةٍ مِنْهُمْ وَرَضًى بِمَا صَنَعَتِ الْخَاصَّةُ ، فَهُنَاكَ تَحِلُّ دِمَاؤُهُمْ " .

الرواه :

الأسم الرتبة
عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ

صحابي

Whoops, looks like something went wrong.