باب ذكر ما احتج به المخالف من الاخبار


تفسير

رقم الحديث : 94

وَأَنْبَأَنِي وَأَنْبَأَنِي أَبُو الْحَسَنِ ، حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الدِّمَشْقِيُّ ، قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زُرَيْقٍ الْبَغْدَادِيُّ ، قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ رِشْدِينٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو الطَّاهِرِ أَحْمَدُ بْنُ عُمَرَ ، وَقَالَ : حَدَّثَنِي لَيْثُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ، وَكَانَ جَلِيسًا لِإِدْرِيسَ ، عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عَبْدَةَ ، عَنْ أَبَانِ بْنِ أَبِي عَيَّاشٍ ، عَنْ أَبِي الْجَوْزَاءِ ، أَنَّ ابْنِ عَبَّاسٍ ، جَمَعَهُمْ قَبْلَ مَوْتِهِ بِأَرْبَعِينَ يَوْمًا ، ثُمَّ قَالَ : " إِنِّي كُنْتُ أَقُولُ لَكُمْ فِي الْمُتْعَةِ مَا قَدْ عَلِمْتُمْ ، وَإِنَّ جَمِيعَ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ رَأَوْا تَقْوِيمِي ، وَإِنِّي رَأَيْتُ رَأْيًا ، وَقَدْ رَجَعْتُ عَنْ ذَلِكَ الرَّأْيِ " وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ رَأْيٌ رَآهُ ، وَاجْتِهَادٌ اجْتَهَدَ فِيهِ ، وَالرَّأْيُ يُخْطِئُ وَيُصِيبُ ، فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ الْخَطَأُ فِيهِ رَجَعَ عَنْهُ ، كَمَا يَفْعَلُ سَائِرُ الْمُجْتَهِدِينَ ، إِذَا تَغَيَّرَ اجْتِهَادُهُمْ بِالنَّصِ الْمُخَالِفِ لَهُ . وَقَدْ بَلَغَنِي عَنْ بَعْضِ الْمُخَالِفِينَ فِي نِكَاحِ الْمُتْعَةِ ، أَنَّهُ احْتَجَّ بِمَا رُوِيَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ ، لَمَّا أَنْكَرَ نِكَاحَ الْمُتْعَةِ ، قَالَ لَهُ رَجُلٌ ، وَعَرَّضَ لَهُ أَنَّ أُمَّهُ أَسْمَاءَ بِنْتَ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ ذَاتَ النِّطَاقَيْنِ ، تَزَوَّجَتْ مُتْعَةً ، وَجَعَلَ ذَلِكَ دَلِيلَا لَهُ ، قُلْتُ : وَهَذَا أَضْعَفُ نَاصِرٍ ، وَأَوْهَى دَلِيلٍ ، وَأَدَلُّ عَلَى ضَعْفِ الْمُسْتَدِلِّ بِهِ ، وَقِلَّةِ عِلْمِهِ بِأَحْكَامِ الشَّرِيعَةِ ، وَأَخْبَارِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَسِيرَةِ أَصْحَابِهِ ، حِينَ تَرَكَ الظَّوَاهِرَ الصِّحَاحَ مِنْ ذَلِكَ ، وَعَدَلَ إِلَى مَا لَا نَفْعَ لَهُ فِيهِ ، وَذَلِكَ أَنَّ أَصْحَابَ السِّيرَةِ وَالتَّوَارِيخِ ، نَقَلُوا أَنَّ الزُّبَيْرَ تَزَوَّجَ أَسْمَاءَ بِكْرًا ، ثُمَّ مَاتَ عَنْهَا ، وَلَمْ تَتَزَوَّجْ غَيْرَهُ . وَمَا ذَكَرَهُ الْمُخَالِفُ لَا أَصْلَ لَهُ ، وَلَمْ يُعْرَفْ فِي كِتَابِ أَحَدٍ مِنْ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ ، وَأَصْحَابِ التَّصَانِيفِ ، وَحَافِظِي الصِّحَاحِ ، وَالَّذِي يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ ذَلِكَ ، أَنَّ الْحَجَّاجَ لَمَّا حَصَرَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ بِمَكَّةَ كَانَ أَصْحَابُهُ يُعَيِّرُونَ عَبْدَ اللَّهِ ، فَيَقُولُونَ : يَا ابْنَ ذَاتِ النِّطَاقَيْنِ ، فَذُكِرَ ذَلِكَ لِأُمِّهِ أَسْمَاءَ ، فَقَالَتْ : وَتِلْكَ شَكَاةٌ زَائِلٌ عَنْكَ عَارُهَا ، وَأَخْبَرَتْهُ أَنَّهَا سُمِّيَتْ بِذَاتِ النِّطَاقَينِ ، لِأَنَّهُمْ لَمَّا صَنَعُوا سُفْرَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ هَاجَرَ هُوَ وَأَبُو بَكْرٍ ، لَمْ يَحْضُرْهَا مَا يَشُدُّونَ بِهِ السُّفْرَةَ ، فَأَمَرَهَا أَبُو بَكْرٍ أَنْ تَشُقَّ نِطَاقَهَا ثِنْتَيْنِ ، وَرَبَطَتِ السُّفْرَةَ بِأَحَدِهِمَا ، وَالسِّقَاءَ بِالْآخَرِ ، فَلَوْ كَانَ هَذَا الَّذِي ادَّعَاهُ الْمُخَالِفُ صَحِيحًا ، لَمْ يَجِدِ الْحَجَّاجُ ، وَأَصْحَابُهُ مَعَ مُخَالَفَتِهِمْ فِي جَوَازِ الْمُتْعَةِ ، وَاعْتِقَادِهِمْ لِبُطْلَانِهَا ، عَيْبًا لَعْبِدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ ، مِثْلَ أَنْ يُعَيِّرُوهُ بِأَنَّ أُمَّهُ تَزَوَّجَتْ مُتْعَةً ، وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ عِنْدَنَا ، وَلَا عِنْدَكَ : هَذَا عَيْبٌ فِيكَ . وَكَانَ هَذَا أَبْلَغَ مِنْ ذِكْرِ النِّطَاقَيْنِ ، الَّذِي هُوَ مَدْحٌ لَهُ ، وَهُمْ يَعْرِفُونَ ذَلِكَ ، فَلَمَّا لَمْ يَذْكُرُوا ذَلِكَ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا أَصْلَ لَهُ ، وَعَلَى أَنَّهُ لَوْ أَوْرَدَهُ الْمُخَالِفُ فِي كِتَابٍ وَإِسْنَادٍ ، وَلَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ صَحِيحًا أَبَدًا ، فَإِنَّا نَنْظُرُ فِي إِسْنَادِهِ ، وَنُبَيِّنُ بُطْلَانَهُ إِنْ قَدِرَ عَلَيْهِ بِضَعْفِ نَاقِلِيهِ ، وَفَسَادِ طُرُقِهِ ، لِأَنَّهُ لَيْسَ كُلُّ مَا نُقِلَ وَمَا رُوِيَ يَجِبُ الْمَصِيرُ إِلَيْهِ ، وَالْحُكْمُ بِصِحَّتِهِ حَتَّى يُنْظَرَ وَيُكْشَفَ أَمْرُهُ ، وَعَلَى أَنَّهُ لَوْ صَحَّ ذَلِكَ لَكَانَ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَخْبَارِ نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَحْرِيمِهِ ، وَصِحَّةِ نَسْخِهِ ، وَإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ عَلَى بُطْلَانِهِ ، وَرُجُوعِ ابْنِ عَبَّاسٍ الَّذِي اعْتَمَدُوا عَلَيْهِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ، وَاعْتِرَافِهِ بِأَنَّهُ حَرَامٌ كَالْمَيْتَةِ ، وَالدَّمِ ، وَلَحْمِ الْخِنْزِيرِ ، وَأَنَّهُ إِنَّمَا أُبِيحَ لِأَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي تِلْكَ السَّفْرَةِ خَاصَّةً ، ثُمَّ نُسِخَ بَعْدَ ذَلِكَ ، وَلَا سِيَّمَا أَنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَشَدُّ الصَّحَابَةِ فِي تَحْرِيمِ ذَلِكَ ، وَالزَّجْرِ عَنْهُ ، وَالتَّغْلِيظِ ، وَالتَّأْنِيبِ فِيهِ ، فَكَانَ ذَلِكَ كُلُّهُ أَوْلَى بِالرُّجُوعِ إِلَيْهِ مِنَ الشُّبْهَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا . بَابُ ذِكْرِ مَا احْتَجَّ بِهِ مَنْ نَصَرَ قَوْلَهُمْ مِنَ الْقِيَاسِ ، وَإِنْ كَانُوا لَا يَقُولُونَ بِالْقِيَاسِ قَالَ : وَلِأَنَّهُ عَقْدٌ عَلَى مَنْفَعَةٍ ، فَجَازَ أَنْ يَصِحَّ إِلَى مُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ كَالْإِجَارَةِ . وَالْجَوَابُ : أَنَّ الْمَعْنَى فِي الْإِجَارَةِ : أَنَّهُ عَقْدٌ لَا يَصِحُّ مُطْلَقًا ، وَلَا بُدَّ فِيهِ مِنَ التَأْقِيتِ بِالْمُدَّةِ ، أَوْ بِالْعَمَلِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ : أَجَّرْتُكَ هَذِهِ الدَّارَ بِعَشَرَةٍ ، وَلَمْ يَذْكُرِ الْمُدَّةَ ، أَوْ ذَكَرَ مُدَّةً مَجْهُولَةً ، فَإِنَّهَا تَبْطُلْ ، فَلِذَلِكَ كَانَ التَّأْقِيتُ شَرْطًا فِيهَا ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ النِّكَاحِ ، لِأَنَّهُ يَصِحُّ مُطْلَقًا ، فَلِذَلِكَ بَطَلَ التَّأْقِيتُ كَالْبَيْعِ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْبَيْعُ يَصِحُّ مُطْلَقًا ، فَإِذَا ذُكِرَ التَّأْقِيتُ فِيهِ ، وَلَمْ يَصِحَّ إِلَّا مُطْلَقًا فَكَذَلِكَ هَاهُنَا . وَجَوَابٌ آخَرُ : وَهُوَ أَنَّ النِّكَاحَ إِذَا عُقِدَ مُطْلَقًا صَحَّ ، فَإِذَا عُقِدَ مُقَيَّدًا بَطَلَ ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْإِجَارَةُ ، لِأَنَّهَا إِذَا عُقِدَتْ مُطْلَقَةً بَطَلَتْ ، فَلِذَلِكَ إِذَا عُقِدَتْ مُقَيَّدَةً صَحَّتْ ، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا . فَصْلٌ : وَاحْتَجُّوا بِأَنَّ نِكَاحَ الْمُتْعَةِ ثَبَتَ بِالْإِجْمَاعِ ، وَمَا ثَبَتَ بِالْإِجْمَاعِ لَمْ يَجُزْ رَفْعُهُ بِأَخْبَارِ الْآحَادِ . وَالْجَوَابُ : أَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ بِالْإِجْمَاعِ ، وَإِنَّمَا ثَبَتَ بِمَا طَرِيقُهُ النَّقْلُ ، لِأَنَّ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، لَمْ يَكُنْ إِجْمَاعٌ ، وَإِنَّمَا الْإِجْمَاعُ هُوَ مَا اجْتَهَدُوا فِيهِ بَعْدَ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَأَدَّاهُمُ اجْتِهَادُهُمْ إِلَى أَمْرٍ فَحَكَمُوا بِهِ ، وَاتَّفَقُوا عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ فِي ذَلِكَ خَبَرٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ ، فَمَا طَرِيقُهُ النَّقْلُ يَجُوزُ نَسْخُهُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ . أَلَا تَرَى أَنَّ الْخَمْرَ كَانَتْ مُبَاحَةً فِي ابْتِدَاءِ الْإِسْلَامِ ، فَلَمَّا نَادَى مُنَادِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ ، فَلَمَّا سَمِعُوا النِّدَاءَ كَسَرُوا أَوَانِيَهُمْ ، وَأَرَاقُوا مَا مَعْهُمْ مِنَ الْخَمْرِ ، وَالنِّدَاءُ إِنِّمَا هُوَ خَبَرُ وَاحِدٍ . وَعَلَى أَنَّ كُلَّ مَا نَقَلَ إِبَاحَةَ الْمُتْعَةِ ، نَقَلَ تَحْرِيمَهَا أَيْضًا ، وَحَصَلَتْ رِوَايَةُ التَّحْرِيمِ عَنْ غَيْرِ مَنْ نَقَلَ الْإِبَاحَةَ زِيَادَةً عَلَيْهِمْ ، فَإِنْ كَانَتْ إِبَاحَتُهُمْ بِنَقَلِ مَنْ نَقَلَ مِنْ حَيْثُ الْإِجْمَاعِ ، فَتَحْرِيمُهَا أَيْضًا مِنْ حَيْثُ الْإِجْمَاعِ ، لِأَنَّ مَا ثَبَتَ بِهِ الْإِبَاحَةُ ثَبَتَ بِهِ التَّحْرِيمُ ، وَإِنْ كَانَتْ مِنْ حَيْثُ النَّقْلِ فَهُوَ مَا قُلْنَاهُ ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ ثَبَتَ تَحْرِيمُهَا مِنْ جَمِيعِ هَذِهِ الْوُجُوهِ ، وَلَمْ يَسْتَحِلَّهَا بَعْدَ مَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ ، إِلَّا جَاهِلٌ أَوْ مُعَانِدٌ عَرَفَ الْحَقَّ فَعَانَدَهُ ، وَأَيُّهُمَا كَانَ فَمَذْمُومٌ فِي الشَّرِيعَةِ ، مَلُومٌ عَلَى ارْتِكَابِهِ ، وَالرُّجُوعُ إِلَى الْحَقِّ أَوْلَى مِنَ التَّمَادِي فِي الْبَاطِلِ ، وُمَرَاعَاةُ الشَّرِيعَةِ أَوْلَى مِنْ تَقْلِيدِ النَّاسِ ، وَالرُّجُوعُ إِلَى السَّوَادِ الْأَعْظَمِ أَوْلَى مِنَ الِانْفَرَادِ وَالشُّذُوذِ .

الرواه :

الأسم الرتبة
ابْنِ عَبَّاسٍ

صحابي

أَبِي الْجَوْزَاءِ

ثقة

أَبَانِ بْنِ أَبِي عَيَّاشٍ

متروك الحديث

الْحَكَمِ بْنِ عَبْدَةَ

مجهول الحال

عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ رِشْدِينٍ

صدوق حسن الحديث