أخبرنا أَبُو الْقَاسِم علي بْن إِبْرَاهِيم الحسيني ، وأبو الوحش سبيع بْن المعلم المقرئ في كتابيهما ، عن أَبِي الحسن رشأ بن نظيف ، ونقلته من خطه ، أنا أَبُو الفتح إِبْرَاهِيم بْن علي بْن سيبخت البغدادي ، نا أَبُو بكر مُحَمَّد بْن يحيى الصولي ، نا أَحْمَد بْن إسماعيل الخصيبي ، حدثني أَبِي ، نا داود بْن سليمان الأنباري ، نا ثمامة بْن أشرس ، قال : قال لي المأمون : قد عزمت غدا على تقريع إِبْرَاهِيم بْن المهدي ، فاحضر مبكرا ، وليقرب مجلسك مني ، فحضرت وقام السماط ، فبينا نحن كذلك إذ سمعت صلصلة الحديد ، فرفعت نظري ، فإذا إِبْرَاهِيم بْن المهدي موقوف على البساط ممسوك بضبعيه مغلولة يده إلى عنقه قد تهدل شعره على عينيه ، فقال : السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة اللَّه وبركاته ، فقال المأمون : لا سلم اللَّه عليك ، ولا حياك ، ولا رعاك ، ولا كلأك . أكفر يا إِبْرَاهِيم بالنعمة بغير شكر ، وخروج على أمير المؤمنين بغير عهد ، ولا عقد ، فقال إِبْرَاهِيم : يا أمير المؤمنين أن القدرة تذهب الحفيظة ، ومن مد له في الاغترار هجمت به الأناة على التلف ، وقد رفعك اللَّه فوق كل ذي ذنب كما وضع كل ذي ذنب دونك ، فإن تعاقب فبحقك ، وإن تعف فبفضلك . فقال المأمون : إن هذين قد أشارا علي بقتلك ، وأومأ إلى المعتصم والعباس ابنه ، فقال : أشارا عليك يا أمير المؤمنين ، فما يشار به على مثلك في مثلي من حسن السياسة ، والتدبير ، وإن الملك عقيم ، ولكنك تأبى أن تستجلب نصرا إلا من حيث عودك اللَّه عز وجل ، وأنا عمك ، والعم صنو الأب ، وبكى ، فتغرغرت عينا المأمون ، ثم قال : يا ثمامة ، فوثبت قائما ، فقال : إن من الكلام كلام كالدر ، يا غلمان حلوا عن عمي ، وغيروا من حالته في أسرع وقت ، وجيئوني به ، فأحضره مجلسه ونا دمه ، وسأله أن يغني ، فأبى ، وقال : نذرت - يا سيدي - لله عند خلاصي تركه ، فعزم عليه ، وأمر أن يوضع العود في حجره ، فسمعته يغني : هذا مقام مشرد خربت منازله ودوره نمت عليه عداته كذبا فعاقبه أميره ثم ثنى بشعر آخر : ذهبت من الدنيا وقد ذهبت مني لوى الدهر بي عنها وولى بها عني فإن أبك نفسي أبك نفسا عزيزة وإن احتقرها احتقرها على ضن وإني وإن كنت المسيء بعيبه بربي تعالى جده حسن الظن عدوت على نفسي فعاد بعفوه علي فعاد العفو منا على من فقال المأمون : أحسنت والله يا أمير المؤمنين حقا ، فرمى بالعود من حجره ، ووثب قائما فزعا من هذا الكلام ، فقال له المأمون : اقعد واسكن ، فوحياتك ما كان ذلك لشيء تتوهمه ، ووالله لا رأيت مني طول أيامي شيئا تكرهه ، وتغتم به . ثم أمر بكل ما قبض له من الأموال ، والدور ، والعقار ، والدواب ، والضياع ، يعني أن ترد عليه ، وأعاد مرتبته ، وأمر له في تلك الساعة بعشرة آلاف دينار ، وانصرف مكرما مخلوعا عليه على خيل ، ورجل أمير المؤمنين ، واشتهر في الخاصة والعامة عفو أمير المؤمنين ، عن عمه ، فحسن موقع ذلك منهم ، واستوسقوا على الطاعة ، والموالاة ، والشكر ، والدعاء ، فقيل لثمامة : أي شيء كان جرمه ؟ قال : بويع له بالخلافة بعد مُحَمَّد بْن هارون ، والمأمون بخراسان ، فلما دخل المأمون اختفى ، وأهدر المأمون دمه ، ونادى عليه فجاء من غير أن يجيء به أحد ، فأمكن من نفسه ، فحبسه ستة أشهر ، وأخرجه ، وعفا عنه .
الأسم | الشهرة | الرتبة |