أَخْبَرَنَا أبو المظفر عبد المنعم بْن عبد الكريم ، أنا سعيد بْن مُحَمَّد بْن أَحْمَد البحيري ، أنا أبو عبد اللَّه مُحَمَّد بْن عبد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن غيث المحتسب الرازي ، أنا أبو بكر مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن ، نا أَحْمَد بْن يوسف ، نا يحيى بْن يحيى ، نا جعفر بْن سليمان ، عن أبي غالب ، قال : خرجت من الشام في ناس , فنزلنا منزلا بِحضرة قرية عظيمة خربة , فدخلتها أنظر فيها ، فرأيت بيتًا مسقفًا , فيه روزنة ، في الروزنة سلة ، ورأيت جرة فيها ماء ، ورأيت أثر وضوء , قلت لنفسي : إن لهذا البيت عامرًا ، هذا رجل يكون بالنهار في الجبل ، ويأوي بالليل إلى هذا البيت ، فقلت لأصحابي : إن لي حاجة أحب أن تبيتوني الليلة في هذا المكان ، قالوا : نعم ، فتأهبت حتى إذا صليت مع أصحابي المغرب ، قال : فقمت ، وجئت حتى دخلت ذلك البيت ، وجلست في ناحية البيت حتى اختلط الظلام ، فإذا أنا بشخص إنسان يجيء من نحو الجبل ، فجعل يدنو حتى قام عَلَى باب البيت ، فوضع يديه عَلَى عضادتي البيت , فحمد اللَّه بِمحامد حسنة ، ثم سلم فدخل فجلس ، ثم تناول السلة فأخذها , فوضعها بين يديه ففتحها وأخرج منها شيئًا , فوضع ، ثم سمى وأكل ، وجعل يَحمد اللَّه ويأكل حتى فرغ ، فلمَّا فرغ أعاد السلة مكانها ، ثم قام فأذن ، ثم أقام ، ثم صلى ، وصليت بصلاته ، فلمَّا قضى صلاته وضع رأسه فنام غير كثير ، ثم قام فخرج يتباعد ، ثم رجع فأخذ الجرة فحلها ، ثم جاء فأعادها مكانها ، ثم توضأ ، ثم جاء فقام في المسجد فكبر ، ثم استعاذ ، فقرأ , وقرأ بالبقرة ، وآل عمران ، والنساء ، والمائدة , قراءة لَم أسمع مثلها قط من أحد أحزن ، ولا يَمر بآية فيها ذكر الجنة إلا وقف وسأل اللَّه الجنة ، ولا يَمر بآية فيها ذكر النار ، إلا وقف وبكى ، وتعوذ بالله من النار ، ثم أوتر وأصبح , لَمَّا أصبح إذ ركع ركعتي الغداة ركعت أنا ، ثم أقام وصلى الغداة وصليت بصلاته , قال أبو غالب : ثم قمت رويدًا فخرجت لم يشعر بي ، ثم جئت وسلمت فرد عَلِيّ السلام ، قال : قلت : أدخل ؟ قال : ادخل ، قال : فدخلت ، فقلت له : أجني أنت أم إنسي ؟ قال : سبحان اللَّه بل إنسي ، قلت : فما أنزلك ههنا ؟ قال : ما لك ولذلك ؟ قال : كلمته وقبلته ، فجعل يكتمني أمره ، قال : قلت : إني بت الليلة معك في بيتك ، قال : خنتني ، قلت : ما خنتك ، قال : قد فعلت ، قلت : يرحمك اللَّه , إني لم أضع ذلك لبأس ، إني أخوك ، وإني طالب خير وليس عليك من بأس ، قال : فسكن ، قلت : حَدَّثَنِي مِمن أنت ؟ قال : أنا من أهل الكوفة ، قلت : فمذ كم مكثت هنا ؟ قال : من سبع سنين ، قلت : فما عيشك ؟ قال : اللَّه يرزقني ، قلت : عَلَى ذاك ما عيشك ؟ قال : لا أشتهي شيئًا بالنهار إلا وجدته في سلتي ، قلت : والطري ؟ يعني السمك ، قال : والطري ، قلت : كيف تصنع ؟ قال : أكون في النهار في الجبل ، فإذا كان الليل أويت إلى هذا البيت من السباع ومن القر ، قلت : فرضيت بِهذا العيش ؟ قال : فكأنه غضب ، وقال : إن كنت لأحسبك أفقه مِمَّا أرى , ومن أعطي أفضل مما أعطيت , قد كفاني مؤنتي هذه , ثم أقبل عَلِيّ ، فقال : يسرك أن لك بيديك مائة ألف ؟ قلت : لا ، قال : يسرك أن لك برجليك ، مائة ألف ؟ قال : قلت : لا ، قال : يسرك أن لك بعينيك مائة ألف ؟ قلت : لا ، قال : يسرك أن لك بسمعك مائة ألف ؟ قلت : لا ، قال : فمن أعطي أفضل مما أعطيت ؟ قلت : إن مكانك هذا منقطع من الناس , أخاف لو مرضت أو مت أن تضيع ، وقد مررت بجبل كذا وكذا فرأيت فيه غارًا , وعند الغار عين تجري , وهو من القرى قريب نحو من فرسخين ، فلو تحولت إليها أحب لك من مكانك هذا ، وكنت تَجمع مع المسلمين ، ولو مرضت لَم تضع ، ولو مت لم تضع ، قلت له : فإن عندي جبة مدرعة أحب أن تأخذها فتلبسها ، قال : ما شئت ، فجئت بالجبة فدفعتها إليه , فأخذها ، قال : فتحول إلى المكان الذي نعتها ، قال : وكاتبني سبع سنين , ثُم انقطع كتابه . .