سهيل بن عمرو بن عبد شمس بن عبد ود بن نصر بن مالك بن حسل بن عامر بن لؤي


تفسير

رقم الحديث : 6825

وَحَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ مُسَبِّحٍ قَالَ : حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ : قَالَ لِي الْوَاقِدِيُّ : " حَجَّ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ هَارُونُ الرَّشِيدُ , فَوَرَدَ الْمَدِينَةَ , فَقَالَ لِيَحْيَى بْنِ خَالِدٍ : أَرْتَادُ لِي رَجُلا عَارِفًا بِالْمَدِينَةِ , وَالْمَشَاهِدِ كَيْفَ كَانَ نُزُولُ جِبْرِيلِ عَلَيْهِ السَّلامُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَمِنْ أَيِّ وَجْهٍ كَانَ يَأْتِيهِ , وَقُبُورِ الشُّهَدَاءِ , فَسَأَلَ يَحْيَى بْنُ خَالِدٍ , فَكُلٌّ دَلَّهُ عَلَيَّ , فَبَعَثَ إِلَيَّ , فَأَتَيْتُهُ , وَذَلِكَ بَعْدَ الْعَصْرِ , فَقَالَ لِي : يَا شَيْخُ , إِنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَعَزَّهُ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ تُصَلِّيَ عِشَاءَ الآخِرَةِ فِي الْمَسْجِدِ , وَتَمْضِي مَعَنَا إِلَى هَذِهِ الْمَشَاهِدِ , فَتُوَقِّفْنَا عَلَيْهَا وَالْمَوْضِعِ الَّذِي يَأْتِي جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلامُ , وَكُنْ بِالْقُرْبِ , فَلَمَّا صَلَّيْتُ عِشَاءَ الآخِرَةِ إِذَا أَنَا بِالشُّمُوعِ قَدْ خَرَجَتْ وَإِذَا أَنَا بِرَجُلَيْنِ عَلَى حِمَارَيْنِ , فَقَالَ يَحْيَى : أَيْنَ الرَّجُلُ ؟ فَقُلْتُ : هَا أَنَا ذَا , فَأَتَيْتُ بِهِ إِلَى دُورِ الْمَسْجِدِ , فَقُلْتُ : هَذَا الْمَوْضِعُ الَّذِي كَانَ جِبْرِيلُ يَأْتِيهُ , فَنَزَلا عَنْ حِمَارَيْهِمَا , فَصَلَّيَا رَكْعَتَيْنِ , وَدَعَوُا اللَّهَ سَاعَةً , ثُمَّ رَكَبَا وَأَنَا بَيْنَ أَيْدِيهِمَا , فَلَمْ أَدَعْ مَوْضِعًا مِنَ الْمَوَاضِعِ وَلا مَشْهَدًا مِنَ الْمَشَاهِدِ إِلا مَرَرْتُ بِهِمَا عَلَيْهِ , فَجَعَلا يُصَلِّيَانِ وَيَجْتَهِدَانِ فِي الدُّعَاءِ , فَلَمْ نَزَلْ كَذَلِكَ حَتَّى وَافِينَا الْمَسْجِدَ , وَقَدْ طَلَعَ الْفَجْرُ , وَأَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ , فَلَمَّا صَارَا إِلَى الْقَصْرِ قَالَ لِي يَحْيَى بْنُ خَالِدٍ : أَيُّهَا الشَّيْخُ , لا تَبْرَحْ , فَصَلَّيْتُ الْغَدَاةَ فِي الْمَسْجِدِ وَهُوَ عَلَى الرِّحْلَةِ إِلَى مَكَّةَ فَأَذِنَ لِي يَحْيَى بْنُ خَالِدٍ عَلَيْهِ بَعْدَ أَنْ أَصْبَحْتُ , فَأَدْنَى مَجْلِسِي , وَقَالَ لِي : إِنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَعَزَّهُ اللَّهُ لَمْ يَزَلْ بَاكِيًا وَقَدْ أَعْجَبَهُ مَا دَلَلْتُهُ عَلَيْهِ , وَقَدْ أَمَرَ لَكَ بِعَشَرَةِ آلافِ دِرْهَمٍ , فَإِذَا بَدَرَةٌ مُبْدَرَةٌ قَدْ دُفِعَتْ إِلَيَّ , وَقَالَ لِي : يَا شَيْخُ , خُذْهَا مُبَارَكٌ لَكَ فِيهَا , وَنَحْنُ عَلَى الرِّحْلَةِ الْيَوْمَ , وَلا عَلَيْكَ أَنْ تَلَقَانَا حَيْثُ كُنَّا , وَاسْتَقَرَّتْ بِنَا الدَّارُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ , وَرَحَلَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ , وَأَتَيْتُ مَنْزِلِي وَمَعِي ذَلِكَ الْمَالُ , فَقَضَيْنَا مِنْهُ دَيْنًا كَانَ عَلَيْنَا , وَزَوَّجْتُ بَعْضَ الْوَلَدِ وَاتَّسَعْنَا , ثُمَّ إِنَّ الدَّهْرَ أَعَضَّنَا , فَقَالَتْ لِي أُمُّ عَبْدِ اللَّهِ : يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ , مَا قُعُودُكَ وَهَذَا وَزِيرُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ عَرَفَكَ وَسَأَلَكَ أَنْ تَصِيرَ إِلَيْهِ حَيْثُ اسْتَقَرَّتْ بِهِ الدَّارُ , فَرَحَلْتُ مِنَ الْمَدِينَةِ وَأَنَا أَظُنُّ الْقَوْمَ بِالْعِرَاقِ فَأَتَيْتُ الْعِرَاقَ , فَسَأَلْتُ عَنْ خَبَرِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ , فَقَالُوا لِي هُوَ بِالرَّقَّةِ , فَأَرَدْتُ الانْصِرَافَ إِلَى الْمَدِينَةِ , فَنَظَرْتُ , فَإِذَا أَنَا بِالْمَدِينَةِ مُخْتَلِ الْحَالِ , فَحَمَلْتُ نَفْسِي عَلَى أَنْ أَصِيرَ إِلَى الرَّقَّةِ , فَصِرْتُ إِلَى مَوْضِعِ الْكَرَى , فَإِذَا أَنَا بِعِدَّةِ فِتْيَانٍ مِنَ الْجُنْدِ يُرِيدُونَ الرَّقَّةَ , فَلَمَّا رَأَوْنِي قَالُوا : أَيُّهَا الشَّيْخُ , أَيْنَ تُرِيدُ , فَخَبَّرْتُهُمْ بِخَبَرِي , وَأَنِّي أُرِيدُ الرَّقَّةَ , فَنَظَرْنَا فِي كِرَى الْجِمَالِ , فَإِذَا هِيَ تُضَعَّفُ عَلَيْنَا , فَقَالُوا : أَيُّهَا الشَّيْخُ , هَلْ لَكَ أَنْ تَصِيرَ إِلَى السُّفُنِ فَهُوَ أَرْفَقُ بِنَا وَأَيْسَرُ عَلَيْنَا مِنْ كِرَى الْجِمَالِ , فَقُلْتُ لَهُمْ : مَا أَعْرِفُ مِنْ هَذَا شَيْئًا وَالأَمْرُ إِلَيْكُمْ , فَصِرْنَا إِلَى السُّفُنِ , فَاكْتَرَيْنَا , فَمَا رَأَيْتُ أَحَدًا كَانَ أَبَرَّ بِي مِنْهُمْ وَلا أَشْفَقَ , وَلا أَحْوَطَ يَتَكَلَّفُونَ مِنْ خِدْمَتِي وَطَعَامِي مَا يَتَكَلَّفُهُ الْوَلَدُ مِنْ وَالِدِهِ حَتَّى صِرْنَا إِلَى مَوْضِعِ الْجَوَازِ بِالرَّقَّةِ , وَكَانَ الْجَوَازُ صَعْبًا جِدًّا , فَكَتَبُوا إِلَى قَائِدِهِمْ بِعِدَادِهِمْ , وَأَدْخَلُونِي فِي عِدَادِهِمْ , فَمَكَثْنَا أَيَّامًا , ثُمَّ جَاءَنَا الإِذْنُ بِأَسْمَائِنَا , فَجُزْتُ مَعَ الْقَوْمِ , فَصِرْتُ إِلَى مَوْضِعٍ لَهُمْ فِي خَانِ نُزُولٍ , فَأَقَمْتُ مَعَهُمْ أَيَّامًا وَطَلَبْتُ الإِذْنَ عَلَى يَحْيَى بْنِ خَالِدٍ , فَصَعُبَ عَلَيَّ , فَأَتَيْتُ أَبَا الْبَخْتَرِيِّ وَهُوَ بِي عَارِفٌ , فَلَقِيتُهُ , فَقَالَ لِي : يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ أَخْطَأْتَ عَلَى نَفْسِكَ , وَغَرَّرْتَ , وَلَكِنْ لَسْتُ أَدَعُ أَنْ أَذْكُرَكَ لَهُ , وَكُنْتُ أَغْدُو إِلَى بَابِهِ وَأَرُوحُ , فَقَلَّتْ نَفَقَتِي , وَاسْتَحْيَيْتُ مِنْ رُفَقَائِي , وَتَخَرَّقَتْ ثِيَابِي , وَأَيِسْتُ مِنْ نَاحِيَةِ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ , فَلَمْ أُخْبِرْ رُفَقَائِي بِشَيْءٍ , وَعُدْتُ مُنْصَرِفًا إِلَى الْمَدِينَةِ فَمَرَّةً أَنَا فِي سَفِينَةٍ وَمَرَّةً أَمْشِي حَتَّى وَرَدْتُ السَّيْلَحِينَ فَبَيْنَا أَنَا مُسْتَرِيحٌ فِي سُوقِهَا إِذَا أَنَا بِقَافِلَةٍ مِنْ بَغْدَادَ , فَسَأَلْتُ : مَنْ هُمْ ؟ فَأَخْبَرُونِي أَنَّهُمْ مِنْ أَهْلِ مَدِينَةِ الرَّسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَأَنَّ صَاحِبَهُمْ بَكَّارًا الزُّبَيْرِيَّ أَخْرَجَهُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ لِيُوَلِّيَهُ قَضَاءَ الْمَدِينَةِ , وَالزُّبَيْرِيُّ أَصْدَقُ النَّاسِ لِي , فَقُلْتُ : أَدَعُهُ حَتَّى يَنْزِلَ وَيَسْتَقِرَّ , ثُمَّ آتِيَهُ , فَأَتَيْتُهُ بَعْدَ أَنِ اسْتَرَاحَ , وَفَرَغَ مِنْ غَدَائِهِ , فَاسْتَأْذَنْتُ عَلَيْهِ , فَأَذِنَ لِي , فَدَخَلْتُ , فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ , فَقَالَ لِي : يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ , مَاذَا صَنَعْتَ فِي غَيْبَتِكَ , فَأَخْبَرْتُهُ بِخَبَرِي وَبِخَبَرِ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ , فَقَالَ لِي : أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ أَبَا الْبَخْتَرِيِّ لا يُحِبُّ أَنْ يَذْكُرَكَ لأَحَدٍ , وَلا يُنَبِّهَ بِاسْمِكَ , فَمَا الرَّأْيُ ؟ فَقُلْتُ : الرَّأْيُ أَنْ أَصِيرَ إِلَى الْمَدِينَةِ , فَقَالَ : هَذَا رَأْيٌ خَطَأٌ . خَرَجْتَ مِنَ الْمَدِينَةِ عَلَى مَا قَدْ عَلِمْتَ , وَلَكِنِ الرَّأْيَ أَنْ تَصِيرَ مَعِي فَأَنَا الذَّاكِرُ لِيَحْيَى أَمْرَكَ , فَرَكِبْتُ مَعَ الْقَوْمِ حَتَّى صِرْتُ إِلَى الرَّقَّةِ , فَلَمَّا عَبَرْنَا الْجَوَازَ قَالَ لِي : تَصِيرُ مَعِي ؟ فَقُلْتُ : لا أَصِيرُ إِلَى أَصْحَابِي وَأَنَا مُبَكِّرٌ عَلَيْكَ غَدًا لِنَصِيرَ جَمِيعًا إِلَى بَابِ يَحْيَى بْنِ خَالِدٍ إِنْ شَاءَ اللَّهُ , فَدَخَلْتُ عَلَى أَصْحَابِي , فَكَأَنِّي وَقَعَتْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ , ثُمَّ قَالُوا لِي : يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ , مَا كَانَ خَبَرُكَ ؟ فَقَدْ كُنَّا فِي غَمٍّ مِنْ أَمْرِكَ , فَخَبَّرْتُهُمْ بِخَبَرِي , فَأَشَارَ عَلَيَّ الْقَوْمُ بِلُزُومِ الزُّبَيْرِيِّ , وَقَالُوا : هَذَا طَعَامُكَ وَشَرَابُكَ لا تَهْتَمَّ لَهُ , فَغَدَوْتُ بِالْغَدَاةِ إِلَى بَابِ الزُّبَيْرِيِّ , فَخُبِّرْتُ بِأَنَّهُ قَدْ رَكِبَ إِلَى بَابِ يَحْيَى بْنِ خَالِدٍ , فَأَتَيْتُ بَابَ يَحْيَى بْنِ خَالِدٍ , فَقَعَدْتُ مَلِيًّا , فَإِذَا صَاحِبِي قَدْ خَرَجَ فَقَالَ لِي : يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ , أُنْسِيتُ أَنْ أُذَاكِرَهُ أَمْرَكَ , وَلَكِنْ قِفْ بِالْبَابِ حَتَّى أَعُودَ إِلَيْهِ , فَدَخَلَ , ثُمَّ خَرَجَ إِلَيَّ الْحَاجِبُ , فَقَالَ لِي : ادْخُلْ , فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ فِي حَالَةٍ خَسِيسَةٍ , وَذَلِكَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ , وَقَدْ بَقِيَ مِنَ الشَّهْرِ ثَلاثَةُ أَيَّامٍ أَوْ أَرْبَعَةٌ , فَلَمَّا رَآنِي يَحْيَى بْنُ خَالِدٍ فِي تِلْكَ الْحَالِ رَأَيْتُ أَثَرَ الْغَمِّ فِي وَجْهِهِ , وَسَلَّمَ عَلَيَّ , وَقَرَّبَ مَجْلِسِي وَعِنْدَهُ قَوْمٌ يُحَادِثُونَهُ , فَجَعَلَ يُذَاكِرُنِي الْحَدِيثَ بَعْدَ الْحَدِيثِ , فَانْقَطَعْتُ عَنْ إِجَابَتِهِ , وَجَعَلْتُ أَجِيءُ بِالشَّيْءِ لَيْسَ بِالْمُوَافِقِ لِمَا يَسْأَلُ , وَجَعَلَ الْقَوْمُ يُجِيبُونَ بِأَحْسَنِ الْجَوَابِ , وَأَنَا سَاكِتٌ , فَلَمَّا انْقَضَى الْمَجْلِسُ , وَخَرَجَ الْقَوْمُ خَرَجْتُ , فَإِذَا خَادِمٌ لِيَحْيَى بْنِ خَالِدٍ قَدْ خَرَجَ , فَلَقِيَنِي عِنْدَ السِّتْرِ , فَقَالَ لِي : إِنَّ الْوَزِيرَ يَأْمُرُكَ أَنْ تُفْطِرَ عِنْدَهُ الْعَشِيَّةَ , فَلَمَّا صِرْتُ إِلَى أَصْحَابِي خَبَّرْتُهُمْ بِالْقَضِيَّةِ , وَقُلْتُ : أَخَافُ أَنْ يَكُونَ غَلَطٌ بِي , فَقَالَ لِي بَعْضُهُمْ : هَذِهِ رَغِيفَانِ وَقِطْعَةُ جُبْنٍ وَهَذِهِ دَابَّتِي تُرْكَبُ وَالْغُلامُ خَلْفَكَ , فَإِنْ أَذِنَ لَكَ الْحَاجِبُ بِالدُّخُولِ دَخَلْتَ وَدَفَعْتَ مَا مَعَكَ إِلَى الْغُلامِ , وَإِنْ تَكُنِ الأُخْرَى صِرْتَ إِلَى بَعْضِ الْمَسَاجِدِ , فَأَكَلْتَ مَا مَعَكَ وَشَرِبْتَ مِنْ مَاءِ الْمَسْجِدِ , فَانْصَرَفْتُ فَوَصَلْتُ إِلَى بَابِ يَحْيَى بْنِ خَالِدٍ وَقَدْ صَلَّى النَّاسُ الْمَغْرِبَ , فَلَمَّا رَآنِي الْحَاجِبُ قَالَ : يَا شَيْخُ , أَبْطَأْتَ , وَقَدْ خَرَجَ الرَّسُولُ فِي طَلَبِكَ غَيْرَ مَرَّةٍ , فَدَفَعْتُ مَا كَانَ مَعِي إِلَى الْغُلامِ وَأَمَرْتُهُ بِالْمُقَامِ , فَدَخَلْتُ فَإِذَا الْقَوْمُ قَدْ تَوَافَوْا , فَسَلَّمْتُ , وَقَعَدْتُ , وَقُدِّمَ الْوَضُوءُ فَتَوَضَّأْنَا وَأَنَا أَقْرَبُ الْقَوْمِ إِلَيْهِ , فَأَفْطَرْنَا , وَقَرُبَتْ عِشَاءُ الآخِرَةِ فَصُلِّيَ بِنَا , ثُمَّ أَخَذْنَا مَجَالِسَنَا , فَجَعَلَ يَحْيَى يَسْأَلُنِي وَأَنَا مُنْقَطِعٌ وَالْقَوْمُ يُجِيبُونَ بِأَشْيَاءَ هِيَ عِنْدِي عَلَى خِلافِ مَا يُجِيبُونَ , فَلَمَّا ذَهَبَ اللَّيْلُ خَرَجَ الْقَوْمُ , وَخَرَجْتُ خَلْفَ بَعْضِهِمْ , فَإِذَا غُلامٌ قَدْ لَحِقَنِي , فَقَالَ : إِنَّ الْوَزِيرَ يَأْمُرُكَ أَنْ تَصِيرَ إِلَيْهِ قَابِلَةً قَبْلَ الْوَقْتِ الَّذِي جِئْتَ فِيهِ يَوْمَكَ هَذَا , وَنَاوَلَنِي كِيسًا مَا أَدْرِي مَا فِيهِ إِلا أَنَّهُ مَلأَنِي سُرُورًا , فَخَرَجْتُ إِلَى الْغُلامِ , فَرَكِبْتُ وَمَعِي الْحَاجِبُ حَتَّى صَيَّرَنِي إِلَى أَصْحَابِي , فَدَخَلْتُ عَلَيْهِمْ , فَقُلْتُ : اطْلُبُوا لِي سِرَاجًا , فَفَضَضْتُ الْكِيسَ , فَإِذَا دَنَانِيرُ , فَقَالُوا لِي : مَا كَانَ رَدَّهُ عَلَيْكَ ؟ فَقُلْتُ : إِنَّ الْغُلامَ أَمَرَنِي أَنْ أُوَافِيهِ قَبْلَ الْوَقْتِ الَّذِي كَانَ فِي لَيْلَتِي هَذِهِ , وَعَدَدْتُ الدَّنَانِيرَ فَإِذَا خَمْسُمِائَةِ دِينَارٍ , فَقَالَ لِي بَعْضُهُمْ : عَلَيَّ شِرَاءُ دَابَّتِكَ , وَقَالَ آخَرُ عَلَيَّ السُّرُجُ وَاللِّجَامُ وَمَا يُصْلِحُهُ , وَقَالَ آخَرُ عَلَيَّ حَمَّامُكَ وَخِضَابُ لِحْيَتِكَ وَطِيبُكَ , وَقَالَ آخَرُ عَلَيَّ شِرَاءُ كَسَوْتِكَ فَانْظُرْ فِي أَيِّ الزِّيِّ الْقَوْمُ فَعَدَدْتُ مِائَةَ دِينَارٍ , فَدَفَعْتُهَا إِلَى صَاحِبِ نَفَقَتِهِمْ فَحَلَفَ الْقَوْمُ بِأَجْمَعِهِمْ أَنَّهُمْ لا يَرْزَءُونِي دِينَارًا وَلا دِرْهَمًا , وَغَدَوْا بِالْغَدَاةِ كُلُّ وَاحِدٍ عَلَى مَا انْتَدَبَ لِي فِيهِ , فَمَا صَلَّيْتُ الظُّهْرَ إِلا وَأَنَا مِنْ أَنْبَلِ النَّاسِ , وَحَمَلْتُ بَاقِي الْكَيْسِ إِلَى الزُّبَيْرِيِّ , فَلَمَّا رَآنِي بِتِلْكَ الْحَالِ سُرَّ سُرُورًا شَدِيدًا , ثُمَّ أَخْبَرْتُهُ الْخَبَرَ , فَقَالَ لِي : إِنِّي شَاخِصٌ إِلَى الْمَدِينَةِ , فَقُلْتُ : نَعَمْ , إِنِّي قَدْ خَلَّفْتُ الْعِيَالَ عَلَى مَا قَدْ عَلِمْتَ , فَدَفَعْتُ إِلَيْهِ مِائَتَيْ دِينَارٍ يُوَصِّلُهَا إِلَى الْعِيَالِ , ثُمَّ خَرَجْتُ مِنْ عِنْدِهِ , فَأَتَيْتُ أَصْحَابِي بِجَمِيعِ مَا كَانَ مَعِي مِنَ الْكِيسِ , ثُمَّ صَلَّيْتُ الْعَصْرَ , فَتَهَيَّأْتُ بِأَحْسَنَ هَيْئَةٍ , ثُمَّ حَضَرْتُ إِلَى بَابِ يَحْيَى بْنِ خَالِدٍ , فَلَمَّا رَآنِي الْحَاجِبُ قَامَ فَأَذِنَ لِي , فَدَخَلْتُ عَلَى يَحْيَى , فَلَمَّا رَآنِي فِي تِلْكَ الْحَالِ نَظَرْتُ إِلَى السُّرُورِ فِي وَجْهِهِ , فَجَلَسْتُ فِي مَجْلِسِي , ثُمَّ ابْتَدَأْتُ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي كَانَ يُذَاكِرُنِي بِهِ وَالْجَوَابِ فِيهِ , وَكَانَ الْجَوَابُ عَلَى غَيْرِ مَا كَانَ يُجِيبُ بِهِ الْقَوْمُ , فَنَظَرْتُ إِلَى الْقَوْمِ وَتَقْطِيبِهِمْ لِي , وَأَقْبَلَ يَحْيَى يُسَائِلُنِي عَنْ حَدِيثِ كَذَا وَحَدِيثِ كَذَا فَأُجِيبُ فِيمَا يَسْأَلُنِي وَالْقَوْمُ سُكُوتٌ مَا يَتَكَلَّمُ أَحَدٌ مِنْهُمْ بِشَيْءٍ , فَلَمَّا حَضَرَتِ الْمَغْرِبُ تَقَدَّمَ يَحْيَى فَصَلَّى , ثُمَّ أَحْضَرَ الطَّعَامَ فَتَعَشَّيْنَا , ثُمَّ صَلَّى بِنَا يَحْيَى عِشَاءَ الآخِرَةِ , وَأَخَذْنَا مَجَالِسَنَا , فَلَمْ نَزَلْ فِي مُذَاكَرَةٍ , وَجَعَلَ يَحْيَى يَسْأَلُ بَعْضَ الْقَوْمِ فَيَنْقَطِعُ , فَلَمَّا كَانَ وَقْتُ الانْصِرَافِ انْصَرَفَ الْقَوْمُ وَانْصَرَفْتُ مَعَهُمْ , فَإِذَا الرَّسُولُ قَدْ لَحِقَنِي , فَقَالَ : إِنَّ الْوَزِيرَ يَأْمُرُكَ أَنْ تَصِيرَ إِلَيْهِ فِي كُلِّ يَوْمٍ فِي الْوَقْتِ الَّذِي جِئْتَ فِيهِ يَوْمَكَ هَذَا , وَنَاوَلَنِي كِيسًا , فَانْصَرَفْتُ وَمَعِي رَسُولُ الْحَاجِبِ حَتَّى صِرْتُ إِلَى أَصْحَابِي , وَأَصَبْتُ سِرَاجًا عِنْدَهُمْ , فَدَفَعْتُ الْكِيسَ إِلَى الْقَوْمِ , فَكَانُوا بِهِ أَشَدَّ سُرُورًا مِنِّي , فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ قُلْتُ لَهُمْ : أَعِدُّوا لِي مَنْزِلا بِالْقُرْبِ مِنْكُمْ , وَاشْتَرُوا لِي جَارِيَةً وَغُلامًا خَبَّازًا وَأَثَاثًا وَمَتَاعًا , فَلَمْ أُصَلِّ الظُّهْرَ إِلا وَقَدْ أَعَدُّوا لِي ذَلِكَ , وَسَأَلْتُهُمْ أَنْ يَكُونَ إِفْطَارُهُمْ عِنْدِي فَأَجَابُوا إِلَى ذَلِكَ بَعْدَ صُعُوبَةٍ شَدِيدَةٍ , فَلَمْ أَزَلْ آتِي يَحْيَى بْنَ خَالِدٍ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ فِي الْوَقْتِ كُلَّمَا رَآنِي ازْدَادَ سُرُورًا , فَلَمْ يَزَلْ يَدْفَعُ إِلَيَّ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ خَمْسَمِائَةِ دِينَارٍ حَتَّى كَانَ لَيْلَةُ الْعِيدِ , فَقَالَ لِي : يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ , تَزَيَّنْ غَدًا لأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَحْسَنِ زِيٍّ مِنْ زِيِّ الْقُضَاةِ , وَاعْتَرِضْ لَهُ ، فَإِنَّهُ سَيَسْأَلُنِي عَنْ خَبَرِكَ فَأُخْبِرُهُ , فَلَمَّا كَانَ صَبِيحَةُ يَوْمِ الْعِيدِ خَرَجْتُ فِي أَحْسَنِ زِيٍّ وَخَرَجَ النَّاسُ وَخَرَجَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ إِلَى الْمُصَلَّى فَجَعَلَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ يَلْحَظُنِي , فَلَمْ أَزَلْ فِي الْمَوْكِبِ , فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ انْصِرَافِهِ صِرْتُ إِلَى بَابِ يَحْيَى بْنِ خَالِدٍ , وَلَحِقَنَا يَحْيَى بَعْدَ دُخُولِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ مَنْزِلَهُ , فَقَالَ لِي : يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ , ادْخُلْ بِنَا , فَدَخَلْتُ وَدَخَلَ الْقَوْمُ , فَقَالَ لِي : يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ , مَا زَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ يَسْأَلُنِي عَنْكَ فَأَخْبَرْتُهُ بِخَبَرِ حَجَّتِنَا , وَأَنَّكَ الرَّجُلُ الَّذِي سَايَرْتُهُ تِلْكَ اللَّيْلَةَ وَأَمَرَ لَكَ بِثَلاثِينَ أَلْفِ دِرْهَمٍ , وَأَنَا مُتَنَجِّزُهَا لَكَ غَدًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ , ثُمَّ انْصَرَفْتُ يَوْمِي ذَلِكَ , فَدَخَلْتُ مِنَ الْغَدِ عَلَى يَحْيَى بْنِ خَالِدٍ , فَقُلْتُ : أَصْلَحَ اللَّهُ الْوَزِيرَ ! حَاجَةٌ عَرَضَتْ وَقَدْ قَضَيْتُ عَلَى الْوَزِيرِ أَعَزَّهُ اللَّهُ بِقَضَائِهَا , فَقَالَ لِي : وَمَا ذَلِكَ ؟ فَقُلْتُ : الإِذْنُ إِلَى مَنْزِلِي ، فَقَدِ اشْتَدَّ الشَّوْقُ إِلَى الْعِيَالِ وَالصِّبْيَانِ , فَقَالَ لِي : لا تَفْعَلْ , فَلَمْ أَزَلْ أُنَازِلُهُ حَتَّى أَذِنَ لِي وَاسْتَخْرَجَ لِي الثَّلاثِينَ الأَلْفِ دِرْهَمٍ , وَهُيِّئَتْ لِي حَرَّاقَةٌ بِجَمِيعِ مَا فِيهَا , وَأَمَرَ أَنْ يُشْتَرَى لِي مِنْ طَرَائِفِ الشَّامِ لأَحْمِلَهُ مَعِي إِلَى الْمَدِينَةِ , وَأَمَرَ وَكِيلَهُ بِالْعِرَاقِ أَنْ يَكْتَرِيَ لِي إِلَى الْمَدِينَةِ لا أُكَلَّفُ نَفَقَةَ دِينَارٍ وَلا دِرْهَمٍ , فَصِرْتُ إِلَى أَصْحَابِي , فَأَخْبَرْتُهُمْ بِالْخَبَرِ , وَحَلَفْتُ عَلَيْهِمْ أَنْ يَأْخُذُوا مِنِّي مَا أَصِلُهُمْ بِهِ , فَحَلَفَ الْقَوْمُ : أَنَّهُمْ لا يَرْزَؤُنِي دِينَارًا وَلا دِرْهَمًا , فَوَاللَّهِ مَا رَأَيْتُ مِثْلَ أَخْلاقِهِمْ , فَكَيْفَ أُلامُ عَلَى حُبِّي لِيَحْيَى بْنِ خَالِدٍ " .

الرواه :

الأسم الرتبة

Whoops, looks like something went wrong.