فَأَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إِسْحَاقَ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ سُلَيْمَانَ ، عَنْ أَبِي شِهَابٍ الْحَنَّاطِ ، قَالَ : " بَعَثَتْ أُخْتُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ مَعِي بِجِرَابٍ إِلَى سُفْيَانَ وَهُوَ بِمَكَّةَ ، فِيهِ كَعْكٌ وَخُشْكُنَانِجُ ، فَقَدِمْتُ مَكَّةَ ، فَسَأَلْتُ عَنْهُ ، فَقِيلَ لِي : إِنَّهُ رُبَّمَا قَعَدَ دُبُرَ الْكَعْبَةِ مِمَّا يَلِي بَابَ الْحَنَّاطِينَ , قَالَ : فَأَتَيْتُهُ هُنَاكَ ، وَكَانَ لِي صَدِيقًا , فَوَجَدْتُهُ مُسْتَلْقِيًا ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ ، فَلَمْ يَسْأَلْنِي تِلْكَ الْمُسَاءَلَةَ ، وَلَمْ يُسَلِّمْ عَلَيَّ كَمَا كُنْتُ أَعْرِفُ مِنْهُ , فَقُلْتُ لَهُ : إِنَّ أُخْتَكَ بَعْثَتْ إِلَيْكَ مَعِي بِجِرَابٍ فِيهِ كَعْكٌ وَخُشْكُنَانِجُ ، قَالَ : فَعَجِّلْ بِهِ عَلَيَّ , وَاسْتَوَى جَالِسًا ، فَقُلْتُ : يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ أَتَيْتُكَ وَأَنَا صَدِيقُكَ فَسَلَّمْتُ عَلَيْكَ فَلَمْ تُرَدَّ عَلَيَّ ذَاكَ الرَّدَّ , فَلَمَّا أَخْبَرْتُكَ أَنِّي أَتَيْتُكَ بِجِرَابِ كَعْكٍ لا يُسَاوِي شَيْئًا ، جَلَسْتَ وَكَلَّمْتَنِي ، فَقَالَ : يَا أَبَا شِهَابٍ ، لا تَلُمْنِي ، فَإِنَّ هَذِهِ لِي ثَلاثَةُ أَيَّامٍ لَمْ أَذُقْ فِيهَا ذَوَاقًا , فَعَذَرْتُهُ " ، قَالُوا : فَلَمَّا خَافَ سُفْيَانُ بِمَكَّةَ مِنَ الطَّلَبِ ، خَرَجَ إِلَى الْبَصْرَةِ ، فَقَدِمَهَا ، فَنَزَلَ قُرْبَ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ ، فَقَالَ لِبَعْضِ أَهْلِ الدَّارِ : أَمَا قَرِبَكُمْ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ ؟ قَالُوا : بَلَى ، يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ ، قَالَ : جِئْنِي بِهِ ، فَأَتَاهُ بِهِ ، فَقَالَ : أَنَا هَاهُنَا مُنْذُ سِتَّةِ أَيَّامٍ أَوْ سَبْعَةٍ , فَحَوَّلَهُ يَحْيَى إِلَى جِوَارِهِ ، وَفَتَحَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ بَابًا ، وَكَانَ يَأْتِيهِ بِمُحَدِّثِي أَهْلِ الْبَصْرَةِ يُسَلِّمُونَ عَلَيْهِ وَيَسْمَعُونَ مِنْهُ , فَكَانَ فِيمَنْ أَتَاهُ جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ , وَالْمُبَارَكُ بْنُ فَضَالَةَ , وَحَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ , وَمَرْحُومٌ الْعَطَّارُ , وَحَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ ، وَغَيْرُهُمْ , وَأَتَاهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ وَلَزِمَهُ ، فَكَانَ يَحْيَى وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ يَكْتُبَانِ عَنْهُ تِلْكَ الأَيَّامِ ، وَكَلَّمَا أَبَا عَوَانَةَ أَنْ يَأْتِيَهُ فَأَبَى , وَقَالَ : رَجُلٌ لا يَعْرِفُنِي كَيْفَ آتِيهُ ؟ وَذَاكَ أَنَّ أَبَا عَوَانَةَ سَلَّمَ عَلَيْهِ بِمَكَّةَ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ سُفْيَانُ السَّلامَ , وَكُلِّمَ فِي ذَلِكَ ، فَقَالَ : لا أَعْرِفُهُ ، وَلَمَّا تَخَوَّفَ سُفْيَانُ أَنْ يُشَهِّرَ بِمُقَامِهِ بِالْبَصْرَةِ ، قُرْبَ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ ، قَالَ لَهُ : حَوِّلْنِي مِنْ هَذَا الْمَوْضِعِ ، فَحَوَّلَهُ إِلَى مَنْزِلِ الْهَيْثَمِ بْنِ مَنْصُورٍ الأَعْرَجِيِّ مِنْ بَنِي سَعْدِ بْنِ زَيْدِ مَنَاةَ بْنِ تَمِيمٍ ، فَلَمْ يَزَلْ فِيهِمْ ، فَكَلَّمَهُ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ فِي تَنَحِّيهِ عَنِ السُّلْطَانِ ، وَقَالَ : هَذَا فِعْلُ أَهْلِ الْبِدَعِ ، وَمَا تَخَافُ مِنْهُمْ ، فَأَجْمَعَ سُفْيَانُ وَحَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَلَى أَنْ يَقْدَمَا بَغْدَادَ ، قَالَ : وَكَتَبَ سُفْيَانُ إِلَى الْمَهْدِيِّ ، أَوْ إِلَى يَعْقُوبَ بْنِ دَاوُدَ ، فَبَدَأَ بِنَفْسِهِ ، فَقِيلَ لَهُ : إِنَّهُمْ يَغْضَبُونَ مِنْ هَذَا ، فَبَدَأَ بِهِمْ ، فَأَتَاهُ جَوَابُ كِتَابِهِ بِمَا يَجِبُ مِنَ التَّقْرِيبِ وَالْكَرَامَةِ ، وَالسَّمْعِ مِنْهُ وَالطَّاعَةِ ، فَكَانَ عَلَى الْخُرُوجِ إِلَيْهِمْ ، فَحُمَّ وَمَرِضَ مَرَضًا شَدِيدًا ، وَحَضَرَهُ الْمَوْتُ ، فَجَزِعَ ، فَقَالَ لَهُ مَرْحُومُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ : يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ مَا هَذَا الْجَزَعُ ؟ إِنَّكَ تَقْدَمُ عَلَى الرَّبِّ الَّذِي كُنْتَ تَعْبُدُهُ ، فَسَكَنَ وَهَدَأَ ، وَقَالَ : انْظُرُوا مَنْ هَاهُنَا مِنْ أَصْحَابِنَا الْكُوفِيِّينَ ، فَأَرْسَلُوا إِلَى عَبَّادَانَ ، فَقَدِمَ عَلَيْهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبْجَرَ , وَالْحَسَنُ بْنُ عَيَّاشٍ أَخُو أَبِي بَكْرِ بْنِ عَيَّاشٍ ، فَأَوْصَى إِلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ ، وَأَوْصَاهُ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهِ , فَأَقَامَا عِنْدَهُ حَتَّى مَاتَ ، فَأُخْرِجَ بِجِنَازَتِهِ عَلَى أَهْلِ الْبَصْرَةِ فَجْأَةً ، وَسَمِعُوا بِمَوْتِهِ ، وَشَهِدَهُ الْخَلْقُ ، وَصَلَّى عَلَيْهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ ، وَكَانَ رَجُلا صَالِحًا ، رَضِيَهُ سُفْيَانُ لِنَفْسِهِ , وَنَزَلَ فِي حُفْرَتِهِ ، وَنَزَلَ مَعَهُ خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ وَغَيْرُهُمَا , وَدَفَنُوهُ ، ثُمَّ انْصَرَفَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ ، وَالْحَسَنُ بْنُ عَيَّاشٍ إِلَى الْكُوفَةِ ، فَأَخْبَرَا أَهْلَهَا بِمَوْتِ سُفْيَانَ رَحِمَهُ اللَّهُ .
الأسم | الشهرة | الرتبة |