أَخْبَرَنَا أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن ناصر الحافظ ، أَخْبَرَنَا المبارك بْن عَبْد الجبار ، أَخْبَرَنَا الْحَسَن بْن علي الجوهري ، أَخْبَرَنَا ابْن حيويه ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْر بْن خلف ، وحدثنا عَنْهُ مُحَمَّد بْن حريث ، أَخْبَرَنَا القاسم بْن الْحَسَن ، أَخْبَرَنَا العمري ، أَخْبَرَنَا الهيثم بْن عدي ، عَن عَبْد اللَّهِ بْن عياش ، عَن مجالد ، عَنِ الشعبي ، قَالَ : دَخَلَ عَمْرو بْن معدي كرب يوما عَلَى عُمَر بْن الْخَطَّاب رضي اللَّه عَنْهُ ، فَقَالَ لَهُ : يا عَمْرو أخبرني عَن أشجع من لقيت ، وأحيل من لقيت ، وأجبن من لقيت ، قَالَ : " نعم يا أمير الْمُؤْمِنيِنَ . خرجت مرة أريد الغارة ، فبينما أنا أسير إِذَا أنا بفرس مشدود ورمح مركوز وإذا رجل جالس ، وإذا هُوَ كأعظم مَا يَكُون من الرجال خلقة ، وَهُوَ مجتب بسَيْف ، فَقُلْتُ لَهُ : خذ حذرك فإني قاتلك ، فَقَالَ : من أَنْتَ ؟ فَقُلْتُ : أنا عَمْرو بْن معدي كرب ، فشهق شهقة فمات ، فهذا أجبن من رأيت يا أمير الْمُؤْمِنيِنَ . وخرجت يوما آخر حَتَّى انتهيت إِلَى حي ، فَإِذَا أنا بفرس مشدود ورمح مركوز ، وإذا صاحبه فِي وهدة يقضي حاجته ، فَقُلْتُ لَهُ : خذ حذرك فإني قاتلك ، قَالَ : من أَنْتَ ؟ ، قُلْت : أنا عَمْرو بْن معدي كرب ، فَقَالَ : يا أبا ثور مَا أنصفتني ، أَنْتَ عَلَى ظهر فرسك ، وأنا فِي بئر ، فاعطني عهدا أنك لا تقتلني حَتَّى أركب فرسي وآخذ حذري ، فأعطيته عهدا ألا أقتله حَتَّى يركب فرسه ويأخذ حذره ، فخرج من الموضع الَّذِي كَانَ فِيهِ ، ثُمَّ اجتبى بسَيْفه وجلس ، فَقُلْتُ : مَا هَذَا ؟ قَالَ : مَا أنا براكب فرسي ولا بمقاتلك ، فهذا يا أمير الْمُؤْمِنيِنَ أحيل من رأيت . ثُمَّ إني خرجت يوما آخر حَتَّى انتهيت إِلَى موضع كنت أقطع فِيهِ ، فلم أر أحدا ، فأجريت فرسي يمينًا وشمالا ، فَإِذَا أنا بفارس ، فلما دنا مني إِذَا هُوَ غلام وجهه من أجمل من رأيت من الفتيان وأحسنهم ، وإذا هُوَ قَدْ أقبل من نَحْو اليمامة ، فلما قرب مني سلم فرددت عَلَيْهِ ، وقلت : من الفتى ؟ فَقَالَ : الْحَارِث بْن سَعْد فارس الشهباء ، فَقُلْتُ لَهُ : خذ حذرك فإني قاتلك ، فمضى وَلَمْ يلتفت إلي ، فَقُلْتُ لَهُ : يا فتى خذ حذرك فإني قاتلك ، قَالَ : الويل لَكَ ، من أَنْتَ ؟ قُلْت : أنا عَمْرو بْن معدي كرب ، قَالَ : الحقير الذليل ، والله مَا يمنعني من قتلك إلا استصغارك ، قَالَ : فتصاغرت نفسي إلي وعظم عندي مَا استقبلني بِهِ ، فَقُلْتُ لَهُ : خذ حذرك فوالله لا ينصرف إلا أحدنا ، قَالَ : ثكلتك أمك ، فإني من أَهْل بَيْت مَا نكلنا عَن فارس قط ، فَقُلْتُ : هُوَ الَّذِي تسمع ، فاختر لنفسك ، فَقَالَ : إِمَّا أَن تطرد لي أَوْ أطرد لَكَ ، فاغتممتها منه ، فَقُلْتُ : أطرد لي ، فأطرد وحملت عَلَيْهِ حَتَّى إِذَا قُلْت إني قَدْ وضعت الرمح بَيْنَ كتفيه إِذَا هُوَ قَدْ صار حزاما لفرسه ، ثُمَّ اتبعني فقرع بالقناة رأسي ، وَقَالَ : يا عَمْرو خذها إليك واحدة ، فوالله لولا أني أكره قتل مثلك لقتلتك ، فتصاغرت إلي نفسي وَكَانَ الْمَوْت والله يا أمير الْمُؤْمِنيِنَ أحب إلي مِمَّا رأيت ، فَقُلْتُ : والله لا ينصرف إلا أحدنا ، فَقَالَ : اختر لنفسك ، فَقُلْتُ أطرد لي فأطرد ، فظننت أني قَدْ تمكنت منه فاتبعته حَتَّى إِذَا ظننت أني قَدْ وضعت الرمح بَيْنَ كتفيه فَإِذَا هُوَ قَدْ صار لببا لفرسه ، ثُمَّ اتبعني فقرع رأسي بالقناة ، وَقَالَ : يا عَمْرو خذها إليك اثنتين ، فتصاغرت إلي نفسي ، فَقُلْتُ : والله لا ينصرف إلا أحدنا ، فَقَالَ : اختر لنفسك ، فَقُلْتُ : أطرد لي فأطرد حَتَّى إِذَا قُلْتُ وضعت الرمح بَيْنَ كتفيه ، وثب عَن فرسه ، فَإِذَا هُوَ عَلَى الأرض ، فأخطأته ومضيت فاستوى عَلَى فرسه ، فاتبعني فقرع رأسي بالقناة ، وَقَالَ : يا عَمْرو خذها إليك ثلاثا ، ولولا أني أكره قتل مثلك لقتلتك ، فَقُلْتُ لَهُ : اقتلني أحب إلي مِمَّا أرى بنفسي ، وأن يسمع فتيان العرب هَذَا ، فَقَالَ : يا عَمْرو إِنَّمَا العفو ثَلاث مرات ، إني إِن استمكنت منك الرابعة قتلتك ، وأنشأ يرتجز ، وَيَقُول : وكدت أغلاظا من الإيمان إِن عدت يا عَمْرو إِلَى الطغيان لتوجزن لهب الشبان وإلا فلست من بَنِي شيبان فلما قَالَ هَذَا هبته هيبة شديدة ، وقلت لَهُ : إِن بي إليك حاجة ، قَالَ : وَمَا هِيَ ؟ قُلْت : أكون لَكَ صاحبًا ، ورضيت بِذَلِكَ يا أمير الْمُؤْمِنيِنَ ، قَالَ : لست من أَصْحَابي ، وَكَانَ ذَلِكَ والله أشد وأعظم مِمَّا صنع ، فلم أزل أطلب إِلَيْهِ حَتَّى قَالَ : ويحك وهل تدري أين أريد ؟ قُلْت : لا ، قَالَ : أريد الْمَوْت عيانًا ، فَقُلْتُ : رضيت بالموت معك ، قَالَ : امض بنا ، فسرنا جميعا يوما حَتَّى جننا الليل وذهب شطره ، فوردنا عَلَى حي من أحياء العرب ، فَقَالَ لي : يا عَمْرو فِي هَذَا الحي الْمَوْت ، وأومأ إِلَى قبة فِي الحي ، فَقَالَ : وَفِي تلك القبة الْمَوْت الأحمر ، فإما أَن تمسك علي فرسي فأنزل فآتي بحاجتي ، وإما أَن أمسك عليك فرسك وتأتيني بحاجتي ، فَقُلْتُ : لا بَل انزل ، فأنت أعرف بموضع حاجتك ، فرمى إلي بعنان فرسه ونزل ، ورضيت والله يا أمير الْمُؤْمِنيِنَ أَن أكون لَهُ سايسا ، ثُمَّ حَتَّى دَخَلَ القبة ، فاستخرج منها جارية لَمْ تر عيناي قط مثلها حسنا وجمالا ، فحملها عَلَى ناقة ، ثُمَّ قَالَ لي : يا عَمْرو ، قُلْت : لبيك ، قَالَ : إِمَّا أَن تحميني وأقود أنا ، وإما أَن أحميك وتقود أَنْتَ ، قُلْت : لا بَل تحميني وأقود أنا ، فرمى إلي بزمام ناقته ، ثُمَّ سرنا بَيْنَ يديه وَهُوَ خلفنا حَتَّى إِذَا أصبحنا ، قَالَ لي : يا عَمْرو ، قُلْت : لبيك مَا تشاء ، قَالَ : التفت فانظر هل ترى أحدًا ، فالتفت ، فَقُلْتُ : أرى جمالا ، قَالَ : اغذذ السير ، ثُمَّ قَالَ لي : يا عَمْرو ، قُلْت : لبيك ، قَالَ : انظر فَإِن كَانَ الْقَوْم قليلا فالجلد والقوة وَهُوَ الْمَوْت ، وإن كَانُوا كثيرا فليسوا بشيء ، قَالَ : فَقُلْتُ هم أربعة أَوْ خمسة ، قَالَ : أغذ السير ، ففعلت وسمع وقع الخيل عَن قرب ، فَقَالَ لي : يا عَمْرو كن عَن يمين الطريق ، وقف وحول وجوه دوابنا إِلَى الطريق ، ففعلت ووقفت عَن يمين الطريق ، ووقف هُوَ عَن يسارها ، ودنا الْقَوْم منا فَإِذَا هم ثلاثة نفر فيهم شيخ كبير وَهُوَ أَبُو الجارية وأخواها غلامان شابان ، فسلموا فرددنا السَّلام ، ووقفوا عَن يسار الطريق ، فَقَالَ الشَّيْخ : خل عَن الجارية يا ابْن أخي ، فَقَالَ : مَا كنت لأخليها ولا لِهَذَا أخذتها ، فَقَالَ لأصغر ابنيه : اخرج إِلَيْهِ فخرج وَهُوَ يجر رمحه ، وحمل عَلَيْهِ الْحَارِث وَهُوَ يرتجز ، وَيَقُول : من دون مَا ترجوه خضب الذابل من فارس مستكتم مقاتل ينمي إِلَى شيبان خير وابل مَا كَانَ سيري نحوها بباطل ثُمَّ شد عَلَيْهِ فطعنه طعنة دق منها صلبه فسقط ميتا ، فَقَالَ الشيخ لابنه الآخر : اخرج إِلَيْهِ يا بَنِي فلا خير فِي الحياة عَلَى الذل ، فخرج إِلَيْهِ ، فأقبل الْحَارِث يرتجز ، وَيَقُول : لَقَدْ رأيت كَيْفَ كانت طعنتي والطعن للقرن شديد بهمتي والموت خير من فراق خلتي فقتلي اليوم ولا مذلتي ثُمَّ شد عَلَيْهِ فطعنه طعنة سقط منها ميتا ، فَقَالَ لَهُ الشيخ : خل عَن الظعينة يا ابْن أخي ، فأنى لست كمن رأيت ، قَالَ : مَا كنت لأخليها ولا لِهَذَا قصدت ، فَقَالَ الشيخ : اختر يا ابْن أخي ، فَإِن شئت طاردتك ، وإن شئت نازلتك ، قَالَ : فاغتنمها الفتى ، فَقَالَ : نازلني ، ثُمَّ نزل ونزل الشيخ ، وَهُوَ يرتجز ، وَيَقُول : مَا أرتجي عِنْدَ فناء عمري سأجعل السنين مثل الشهر شيخ يحامي دون بيض الخدر إِن استباح البيض قصم الظهر سوف ترى كَيْفَ يَكُون صبري فأقبل إِلَيْهِ الْحَارِث ، وَهُوَ يرتجز وَيَقُول : بَعْد ارتحالي وطويل سفري وَقَدْ ظفرت وشفيت صدري والموت خير من لباس الغدر والعار أهديه لحي بَكْر ثُمَّ دنا ، فَقَالَ لَهُ الشيخ : يا ابْن أخي إِن شئت ضربتك ، فَإِن بقيت فيك قوة ضربتني ، وإن شئت فاضربني فَإِن بقيت فِي قوة ضربتك ، فاغتنمها الفتى ، فَقَالَ : أنا أبدأ أول ، قَالَ : هات ، فرفع الْحَارِث السَّيْف ، فلما نظر الشيخ أنه قَدْ أهوى بِهِ إِلَى رأسه ضرب بطنه قَدْ منها أمعاءه ، ووقعت ضربة الْحَارِث فِي رأسه فسقطا ميتين ، فأخذت يا أمير أربعة أفراس وأربعة أسياف ، ثُمَّ أقبلت إِلَى الناقة ، فقدت أعنة الأفراس بعضها إِلى بَعْض وجعلت أقودها ، فقالت لي الجارية : يا عَمْرو إِلَى أين ولست لي بصاحب ، ولست كمن رأيت ولو كنت صاحبي لسلكت سبيلهم ، فَقُلْتُ : اسكتي ، قالت : فَإِن كنت صادقا ، فاعطني رمحا ، أَوْ سَيْفًا ، فَإِن غلبتني فأنا لَكَ ، وإن غلبتك قتلتك ، فَقُلْتُ لَهَا : مَا أنا بمعطيك ذَلِكَ وَقَدْ عرفت أصلك وجرأة قومك وشجاعتهم ، فرمت بنفسها عَن البعير ، ثُمَّ أقبلت إلي وَهِيَ ترتجز ، وتقول : أبعد شيخي وبعد أخوتي أطلب عيشا بعدهم فِي لذتي هلا يَكُون قبل ذا منيتي ثُمَّ أهوت إِلَى الرمح وكادت تنتزعه من يدي ، فلما رأيت ذَلِكَ منها خفت إِن هِيَ ظفرت بي أَن تقتلني فقتلتها . فهذا أشد مَا رأيت يا أمير الْمُؤْمِنيِنَ ، فَقَالَ عُمَر : صدقت " .