في ذكر من قتله العشق


تفسير

رقم الحديث : 578

أَخْبَرَنَا أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ نَاصِرٍ ، قَالَ : أَنْبَأَنَا الْمُبَارَكُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ ، قَالَ : أَنْبَأَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْجَوْهَرِيُّ ، قَالَ : أَنْبَأَنَا ابْنُ حَيُّوَيْهِ ، قَالَ : أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ خَلَفٍ إِذْنًا ، وَحَدَّثَنَا عَنْهُ مُحَمَّدُ بْنُ حُرَيْثٍ ، قَالَ : أَنْبَأَنَا قَاسِمُ بْنُ الْحَسَنِ ، قَالَ : أَنْبَأَنَا الْعُمَرِيُّ ، قَالَ : أَنْبَأَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ عَدِيٍّ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَيَّاشٍ ، عَنْ مُجَالِدٍ ، عَنِ الشَّعْبِيِّ ، قَالَ : دَخَلَ عَمْرُو بْنُ مَعْدِي كَرْبَ يَوْمًا عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ : يَا عَمْرُو ، أَخْبَرَنِي عَنْ أَشْجَعِ مَنْ لَقِيتَ ، وَأَجْبَنِ مَنْ لَقِيتَ , فَقَالَ : نَعَمْ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، خَرَجْتُ مَرَّةً أُرِيدُ الْغَارَةَ ، فَبَيْنَا أَنَا أَسِيرُ إِذَا أَنَا بِفَرَسٍ مَشْدُودٍ ، وَرُمْحٍ مَرْكُوزٍ ، وَإِذَا رَجُلٌ جَالِسٌ ، وَإِذَا هُوَ كَأَعْظَمِ مَا يَكُونُ مِنَ الرِّجَالِ خَلْقًا ، وَهُوَ مُحْتَبٍ بِسَيْفٍ ، فَقُلْتُ لَهُ : خُذْ حِذْرَكَ ، فَإِنِّي قَاتِلُكَ ، فَقَالَ : وَمَنْ أَنْتَ ؟ قُلْتُ : أَنَا عَمْرُو بْنُ مَعْدِي كَرَبَ ، فَشَهِقَ شَهْقَةً فَمَاتَ ، فَهَذَا أَجْبَنُ مَنْ رَأَيْتُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ . وَخَرَجْتُ يَوْمًا آخَرَ ، حَتَّى انْتَهَيْتُ إِلَى حِيٍّ ، فَإِذَا أَنَا بِفَرَسٍ مَشْدُودٍ ، وَرُمْحٍ مَرْكُوزٍ ، وَإِذَا صَاحِبُهُ فِي وَهْدَةٍ يَقْضِي حَاجَةً ، فَقُلْتُ لَهُ : خُذْ حِذْرَكَ فَإِنِّي قَاتِلُكَ ، قَالَ : مَنْ أَنْتَ ؟ قُلْتُ : أَنَا عَمْرُو بْنُ مَعْدِي كَرِبَ ، قَالَ : يَا أَبَا ثَوْرٍ ، مَا أَنْصَفْتَنِي أَنْتَ عَلَى ظَهْرِ فَرَسِكَ ، وَأَنَا فِي بِئْرٍ فَأَعْطِنِي عَهْدًا أَنَّكَ لا تَقْتُلُنِي حَتَّى أَرْكَبَ فَرَسِي ، وَآخُذَ حِذْرِي ، فَأَعْطَيْتُهُ عَهْدًا أَنْ لا أَقْتُلَهُ حَتَّى يَرْكَبَ فَرَسَهُ ، وَيَأْخُذَ حِذْرَهُ ، فَخَرَجَ مِنَ الْمَوْضِعِ الَّذِي كَانَ فِيهِ حَتَّى احْتَبَى بِسَيْفِهِ ، وَجَلَسَ ، فَقُلْتُ لَهُ : مَا هَذَا ؟ فَقَالَ : مَا أَنَا بِرَاكِبٍ فَرَسِي ، وَلا بِمُقَاتِلِكَ ، فَإِنْ نَكَثْتَ عَهْدًا فَأَنْتَ أَعْلَمُ ، فَتَرَكْتُهُ وَمَضَيْتُ ، فَهَذَا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَحْيَلُ مَنْ رَأَيْتُ . ثُمَّ إِنِّي خَرَجْتُ يَوْمًا آخَرَ إِلَى مَوْضِعٍ كُنْتُ أَقْطَعُ فِيهِ ، فَلَمْ أَرَ أَحَدًا ، فَأَجْرَيْتُ فَرَسِي يَمِينًا وَشِمَالا فَإِذَا أَنَا بِفَارِسٍ ، فَلَمَّا دَنَا مِنِّي إِذَا هُوَ غُلامٌ حِينَ بَقَلَ وَجْهُهُ ، مِنْ أَجْمَلِ مَنْ رَأَيْتُ مِنَ الْفِتْيَانِ ، وَأَحْسَنُهُمْ ، فَإِذَا هُوَ قَدْ أَقْبَلَ مِنْ نَحْوِ الْيَمَامَةِ ، فَلَمَّا قَرُبَ مِنِّي سَلَّمَ ، فَرَدَدْتُ عَلَيْهِ ، وَقُلْتُ : مَنِ الْفَتَى ؟ قَالَ : أَنَا الْحَارِثُ بْنُ سَعْدٍ فَارِسُ الشَّهْبَاءِ ، فَقُلْتُ لَهُ : خُذْ حِذْرَكَ فَإِنِّي قَاتِلُكَ ، قَالَ : بَلِ الْوَيْلُ لَكَ ، مَنْ أَنْتَ ؟ قُلْتُ : أَنَا عَمْرُو بْنُ مَعْدِي كَرِبَ ، قَالَ : الْحَقِيرُ الذَّلِيلُ ، وَاللَّهِ مَا يَمْنَعُنِي مِنْ قَتْلِكَ إِلا اسْتِصْغَارُكَ ، قَالَ : وَتَصَاغَرَتْ نَفْسِي إِلَيَّ وَعَظُمَ عِنْدِي مَا اسْتَقْبَلَنِي بِهِ ، فَقُلْتُ لَهُ : خُذْ حِذْرَكَ فَوَاللَّهِ مَا يَنْصَرِفُ إِلا أَحَدُنَا ، قَالَ : اغْرُبْ ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ ، فَإِنِّي مِنْ أَهْلِ بَيْتٍ مَا نَكِلْنَا عَنْ فَارِسٍ قَطُّ ، فَقُلْتُ : هُوَ الَّذِي تَسْمَعُ ، فَاخْتَرْ لِنَفْسِكَ ، فَقَالَ : إِمَّا أَنْ تَطَّرِدَ لِي ، وَإِمَّا أَنْ أَطَّرِدَ لَكَ ، فَاغْتَنَمْتُهَا مِنْهُ ، فَقُلْتُ : اطَّرِدْ لِي فَاطَّرَدَ ، وَحَمَلْتُ عَلَيْهِ حَتَّى إِذَا قُلْتُ أَنِّي قَدْ وَضَعْتُ الرُّمْحَ بَيْنَ كَتِفَيْهِ ، إِذَا هُوَ قَدْ صَارَ حِزَامًا لِفَرَسِهِ ، ثُمَّ اتَّبَعَنِي فَقَرَعَ بِالْقَنَاةِ رَأْسِي ، وَقَالَ : يَا عَمْرُو خُذْهَا إِلَيْكَ وَاحِدَةً فَوَاللَّهِ لَوْلا أَنِّي أَكْرَهُ قَتْلَ مِثْلِكَ لِقَتَلْتُكَ ، فَتَصَاغَرَتْ إِلَيَّ نَفْسِي وَكَانَ الْمَوْتُ وَاللَّهِ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَحَبَّ إِلِيَّ مِمَّا رَأَيْتُ ، فَقُلْتُ : وَاللَّهِ لا يَنْصَرِفُ إِلا أَحَدُنَا ، فَقَالَ : اخْتَرْ لِنَفْسِكَ ، فَقُلْتُ : اطَّرِدْ لِي فَاطَّرَدَ ، وَظَنَنْتُ أَنِّي قَدْ تَمَكَّنْتُ مِنْهُ ، وَاتَّبَعْتُهُ حَتَّى إِذَا ظَنَنْتُ أَنِّي قَدْ وَضَعْتُ الرُّمْحَ بَيْنَ كَتِفَيْهِ ، فَإِذَا هُوَ قَدْ صَارَ لَبِبًا لِفَرَسِهِ ، ثُمَّ اتَّبَعَنِي فَقَرَعَ رَأْسِي بِالْقَنَاةِ ، وَقَالَ يَا عَمْرُو : خُذْهَا إِلَيْكَ اثْنَتْيَنِ ، فَتَصَاغَرَتْ إِلَيَّ نَفْسِي ، فَقُلْتُ : وَاللَّهِ لا يَنْصَرِفُ إِلا أَحَدُنَا ، فَقَالَ : اخْتَرْ لِنَفْسِكَ ، فَقُلْتُ : اطَّرِدْ لِي ، فَاطَّرَدَ ، حَتَّى إِذَا قُلْتُ وَضَعْتُ الرُّمْحَ بَيْنَ كَتِفَيْهِ وَثَبَ عَنْ فَرَسِهِ ، فَإِذَا هُوَ عَلَى الأَرْضِ فَأَخْطَأْتُهُ وَمَضَيْتُ ، فَاسْتَوَى عَلَى فَرَسِهِ ، فَاتَّبَعَنِي فَقَرَعَ بِالْقَنَاةِ رَأْسِي ، وَقَالَ : يَا عَمْرُو ، خُذْهَا إِلَيْكَ ثَلاثًا ، وَلَوْلا أَنِّي أَكْرَهُ قَتْلَ مِثْلِكَ لَقَتَلْتُكَ ، فَقُلْتُ لَهُ : اقْتُلْنِي أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا أَرَى بِنَفْسِي ، وَأَنْ تَسْمَعَ فِتْيَانُ الْعَرَبِ بِهَذَا ، فَقَالَ لِي : يَا عَمْرُو إِنَّمَا الْعَفْوُ ثَلاثٌ ، وَإِنِّي إِنِ اسْتَمْكَنْتُ مِنْكَ الرَّابِعَةَ قَتَلْتُكَ ، وَأَنْشَأَ يَقُولُ : وَكِدْتُ أَغْلاظًا مِنَ الأَيْمَانِ إِنْ عُدْتَ يَا عَمْرُو إِلَى الطِّعَانِ لَتُوجَرَنَّ لَهَبَ السِّنَانِ أَوْلا فَلَسْتُ مِنْ بَنِي شَيْبَانِ فَلَمَّا قَالَ هَذَا كَرِهْتُ الْمَوْتَ ، وَهِبْتُهُ هَيْبَةً شَدِيدَةً ، وَقُلْتُ لَهُ : إِنَّ لِي إِلَيْكَ حَاجَةً ، قَالَ : وَمَا هِيَ ؟ قُلْتُ : أَكُونُ لَكَ صَاحِبًا ، وَرَضِيتُ بِذَلِكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، قَالَ : لَسْتَ مِنْ أَصْحَابِي ، فَكَانَ ذَلِكَ أَشَدَّ عَلَيَّ وَأَعْظَمَ مِمَّا صَنَعَ ، فَلَمْ أَزَلْ أَطْلُبُ إِلَيْهِ ، حَتَّى قَالَ : وَيْحَكَ ، وَهَلْ تَدْرِي أَيْنَ أُرِيدُ ؟ قُلْتُ : لا ، قَالَ : أُرِيدُ الْمَوْتَ عَيَانًا ، فَقُلْتُ رَضِيتُ بِالْمَوْتِ مَعَكَ ، قَالَ : امْضِ بِنَا ، فَسِرْنَا جَمِيعًا يَوْمَنَا حَتَّى جَنَّنَا اللَّيْلُ ، وَذَهَبَ شَطْرُهُ ، قَالَ : فَوَرِدْنَا عَلَى حَيٍّ مِنْ أَحْيَاءِ الْعَرَبِ ، فَقَالَ : يَا عَمْرُو فِي هَذَا الْحَيِّ الْمَوْتُ ، ثُمَّ أَوْمَأَ إِلَى قُبَّةٍ فِي الْحَيِّ ، فَقَالَ : وَفِي تِلْكَ الْقُبَّةِ الْمَوْتُ الأَحْمَرُ ، فَإِمَّا أَنْ تُمْسِكَ عَلَى فَرَسِي فَآتِيَ بِحَاجَتِي ، وَإِمَّا أَنْ أُمْسِكَ عَلَيْكَ فَرَسَكَ فَتَنْزِلَ فَتَأْتِيَنِي بِحَاجَتِي ، فَقُلْتُ : لا بَلِ انْزِلْ أَنْتَ ، فَأَنْتَ أَعْرَفُ بِمَوْضِعِ حَاجَتِكَ ، فَرَمَى إِلَيَّ بِعَنَانِ الْفَرَسِ ، فَنَزَلَ وَرَضِيتُ وَاللَّهِ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ أَكُونَ لَهُ سَائِسًا . ثُمَّ مَضَى حَتَّى دَخَلَ الْقُبَّةَ ، فَاسْتَخْرَجَ جَارِيَةً لَمْ تَرَ عَيْنَايَ مِثْلَهَا قَطُّ حُسْنًا وَجَمَالا ، فَحَمَلَهَا عَلَى نَاقَةٍ ، ثُمَّ قَالَ لِي : يَا عَمْرُو قُلْتُ لَبَّيْكَ ، قَالَ : إِمَّا أَنْ تَحْمِيَنِي وَأَقُودَ أَنَا ، وَإِمِّا أَنْ أَحْمِيَكَ وَتَقُودَ أَنْتَ ، قُلْتُ : لا بَلْ تَحْمِينِي أَنْتَ وَأَقُودُ أَنَا ، فَرَمَى إِلَيَّ بِزِمَامِ النَّاقَةِ ، ثُمَّ سِرْنَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُوَ خَلْفَنَا حَتَّى إِذَا أَصْبَحْنَا ، قَالَ لِي : يَا عَمْرُو ، قُلْتُ لَبَّيْكَ مَا تَشَاءُ ، قَالَ : الْتَفِتْ فَانْظُرْ هَلْ تَرَى أَحَدًا ، قَالَ : فَالْتَفَتُّ ، فَقُلْتُ أَرَى جِمَالا ، فَقَالَ : أَغِذِّ السَّيْرَ ، ثُمَّ قَالَ : يَا عَمْرُو ، قُلْتُ : لَبَّيْكَ ، قَالَ : انْظُرْ فَإِنْ كَانَ الْقَوْمُ قَلِيلا فَالْجَلَدُ وَالْقُوَّةُ ، وَهُوَ الْمَوْتُ ، وَإِنْ كَانُوا كَثِيرًا فَلَيْسُوا بِشَيْءٍ ، قَالَ : فَالْتَفَتُّ ، فَقُلْتُ : هُمْ أَرْبَعَةٌ أَوْ خَمْسَةٌ ، قَالَ : أَغِذِّ السَّيْرَ ، فَفَعَلْتُ ، وَسَمِعَ وَقْعَ الْخَيْلِ عَنْ قُرْبٍ ، فَقَالَ لِي : يَا عَمْرُو ، قُلْتُ : لَبَّيْكَ ، قَالَ : كُنْ عَنْ يَمِينِ الطَّرِيقِ ، وَقِفْ وَحَوِّلْ وُجُوهَ دَوَابِّنَا إِلَى الطَّرِيقِ ، فَفَعَلْتُ ، وَوَقَفْتُ عَنْ يَمِينِ الرَّاحِلَةِ ، وَوَقَفَ هُوَ عَنْ يَسَارِهَا ، وَدَنَا الْقَوْمُ مِنَّا فَإِذَا هُمْ ثَلاثَةُ نَفَرٍ فِيهِمْ شَيْخٌ كَبِيرٌ ، وَهُوَ أَبُو الْجَارِيَةِ ، وَأَخَوَاهَا غُلامَانِ شَابَّانِ ، فَسَلَّمُوا فَرَدَدْنَا السَّلامَ ، وَوَقَفُوا عَنْ يَسَارِ الطَّرِيقِ ، فَقَالَ الشَّيْخُ : خَلّ عَنِ الْجَارِيَةِ يَابْنَ أَخِي ، فَقَالَ : مَا كُنْتُ لأُخَلِّيَهَا وَلا لِهَذَا أَخَذْتُهَا ، فَقَالَ لأَصْغَرِ ابْنَيْهِ : اخْرُجْ إِلَيْهِ ، فَخَرَجَ وَهُوَ يَجُرُّ رُمْحَهُ ، وَحَمَلَ عَلَيْهِ الْحَارِثُ وَهُوَ يَقُولُ : مِنْ دُونِ مَا تَرْجُوهُ خَضْبُ الذَّابِلِ مِنْ فَارِسٍ مُسْتَلْئِمٍ مُقَاتِلِ يُنْمَى إِلَى شَيْبَانَ خَيْرَ وَائِلٍ مَا كَانَ سَيْرِي نَحْوَهَا بِبَاطِلِ ثُمَّ شَدَّ عَلَيْهِ ، فَطَعَنَهُ طَعْنَةً دَقَّ مِنْهَا صُلْبَهُ ، فَسَقَطَ مَيِّتًا . فَقَالَ الشَّيْخُ لابْنِهِ الآخَرِ : اخْرُجْ إِلَيْهِ يَا بُنَيَّ ، فَلا خَيْرَ فِي الْحَيَاةِ عَلَى الذُّلِّ ، فَخَرَجَ إِلَيْهِ وَأَقْبَلَ الْحَارِثُ ، يَقُولُ : لَقَدْ رَأَيْتَ كَيْفَ كَانَتْ طَعْنَتِي وَالطَّعْنُ لِلْقِرْنِ شَدِيدًا نُهْمَتِي وَالْمَوْتُ خَيْرٌ مِنْ فِرَاقِ خُلَّتِي فَقَتْلَتِي الْيَوْمَ وَلا مَذَلَّتِي ثُمَّ شَدَّ عَلَيْهِ فَطَعَنَهُ طَعْنَةً سَقَطَ مِنْهَا مَيِّتًا ، فَقَالَ لَهُ الشَّيْخُ : خَلِّ عَنِ الظَّعِينَةِ يَابْنَ أَخِي ، فَإِنِّي لَسْتُ كَمَنْ رَأَيْتَ ، قَالَ : مَا كُنْتُ لأُخَلِّيَهَا وَلا لِهَذَا قَصَدْتُ ، فَقَالَ لَهُ الشَّيْخُ : اخْتَرْ يَابْنَ أَخِي ، فَإِنْ شِئْتَ طَارَدْتُكَ ، وَإِنْ شِئْتَ نَازَلْتُكَ ، قَالَ : فَاغْتَنَمَهَا الْفَتَى فَنَزَلَ ، وَنَزَلَ الشَّيْخُ وَهُوَ يَقُولُ : مَا أَرْتَجِي بَعْدَ فَنَاءِ عُمْرِي سَأَجْعَلُ السِّنِينَ مِثْلَ الشَّهْرِ شَيْخٌ يُحَامِي دُونَ بِيضِ الْخِدْرِ إِنِ اسْتَبَاحَ الْبِيضُ قَصْمَ الظَّهْرِ سَوْفَ تَرَى كَيْفَ يَكُونُ صَبْرِي فَأَقْبَلَ الْحَارِثُ ، وَهُوَ يَقُولُ : بَعْدَ ارْتِحَالِي وَطُولِ سَفَرِي وَقَدْ ظَفِرْتُ وَشَفَيْتُ صَدْرِي وَالْمَوْتُ خَيْرٌ مِنْ لِبَاسِ الْغَدْرِ وَالْعَارُ أَهْدِيهِ لَحَيِّ بَكْرِ . ثُمَّ دَنَا ، فَقَالَ لَهُ الشَّيْخُ : يَابْنَ أَخِي إِنْ شِئْتَ ضَرَبْتُكَ ، وَإِنْ بَقِيَتْ مِنْكَ قُوَّةٌ ضَرَبْتَنِي ، وَإِنْ شِئْتَ فَاضْرِبْنِي ، فَإِنْ بَقِيَتْ فِيَّ قُوَّةً ضَرَبْتُكَ ، فَاغْتَنَمَهَا الْفَتَى ، قَالَ : هَاتِ ، أَنَا أَبْدَأُ أَوَّلا ، فَرَفَعَ الْحَارِثُ السَّيْفَ فَلَمَّا نَظَرَ الشَّيْخُ أَنَّهُ قَدْ أَهْوَى بِهِ إِلَى رَأْسِهِ ضَرَبَهُ ضَرْبَةً قُدَّ مِنْهَا مِعَاهُ ، وَوَقَعَتْ ضَرْبَةُ الْحَارِثِ فِي رَأْسِهِ ، فَسَقَطَا مَيِّتَيْنِ ، فَأَخَذْتُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَرْبَعَةَ أَفْرَاسٍ ، وَأَرْبَعَةَ أَسْيَافٍ ، ثُمَّ أَقْبَلْتُ إِلَى النَّاقَةِ فَعَقَدْتُ أَعِنَّةَ الأَفْرَاسِ بَعْضَهَا إِلَى بَعْضٍ ، وَجَعَلْتُ أَقُودُ ، فَقَالَتْ لِي الْجَارِيَةُ : يَا عَمْرُو إِلَى أَيْنَ ؟ وَلَسْتَ لِي بِصَاحِبٍ ، وَلَسْتَ كَمَنْ رَأَيْتُ ، وَلَوْ كُنْتَ لِي صَاحِبًا لَسَلَكْتَ سَبِيلَهُمْ ، فَقُلْتُ : اسْكُتِي ، قَالَتْ : فَإِنْ كُنْتَ صَادِقًا فَأَعْطِنِي سَيْفًا أَوْ رُمْحًا فَإِنْ غَلَبْتَنِي فَأَنَا لَكَ ، وَإِنْ غَلَبْتُكَ قَتَلْتُكَ ، فَقُلْتُ لَهَا : مَا أَنَا بِمُعْطِيكِ ذَاكَ وَقَدْ عَرَفْتُ أَصْلَكِ ، وَجُرْأَةَ قَوْمِكِ وَشَجَاعَتَهُمْ ، فَرَمَتْ بِنَفْسِهَا عَنِ الْبَعِيرِ ، ثُمَّ أَقْبَلَتْ إِلَيَّ وَهِيَ تَقُولُ : أَبَعْدَ مَا شَيْخِي وَبَعْدَ إِخْوَتِي أَطْلُبُ عَيْشًا بَعْدَهُمْ فِي لَذَّتِي هَلا تَكُونُ قَبْلَ ذَاكَ مِيتَتِي ثُمَّ أَهْوَتْ إِلَى الرُّمْحِ وَكَادَتْ تَنْتَزِعَهُ مِنْ يَدِي ، فَلَمَّا رَأَيْتُ ذَلِكَ مِنْهَا خِفْتُ إِنْ هِيَ ظَفِرَتْ بِي أَنْ تَقْتُلَنِي ، فَقَتَلْتُهَا ، فَهَذَا أَشَدُّ مَنْ رَأَيْتُهُ قَطُّ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، فَقَالَ عُمَرُ : صَدَقْتَ يَا عَمْرُو " .

الرواه :

الأسم الرتبة

Whoops, looks like something went wrong.