أَخْبَرَنَا ابْنُ نَاصِرٍ ، قَالَ : أَنْبَأَنَا الْمُبَارَكُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ ، قَالَ : أَنْبَأَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْبَرْمَكِيُّ ، قَالَ : أَنْبَأَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ الزَّيْنَبِيُّ ، قَالَ : حَدَّثَنَا ابْنُ الْمَرْزُبَانِ ، قَالَ : قَالَ إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ : حَدَّثَنِي جَابِرُ بْنُ نُوحٍ ، قَالَ : كُنْتُ بِمَدِينَةِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسًا عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ السُّوقِ ، فَمَرَّ بِي شَيْخٌ حَسَنُ الْوَجْهِ ، حَسَنُ الثِّيَابِ ، فَقَامَ إِلَيْهِ الْبَائِعُ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ ، وَقَالَ لَهُ : يَا أَبَا مُحَمَّدٍ سَلِ اللَّهَ أَنْ يُعْظِمَ أَجْرَكَ ، وَأَنْ يَرْبِطَ عَلَى قَلْبِكَ بِالصَّبْرِ ، فَقَالَ الشَّيْخُ مُجِيبًا لَهُ : وَكَانَ يَمِينِي فِي الْوَغَى وَمُسَاعِدِي فَأَصْبَحْتُ قَدْ خَانَتْ يَمِينِي ذِرَاعُهَا وَأَصْبَحْتُ حَرَّانًا مِنَ الثَّكْلِ حَائِرَا أَخًا كَلَفٍ ضَاقَتْ عَلَيَّ رِبَاعُهَا فَقَالَ لَهُ الْبَائِعُ : يَا أَبَا مُحَمَّدٍ أَبْشِرْ ، فَإِنَّ الصَّبْرَ مُعَوَّلُ الْمُؤْمِنِ ، وَإِنِّي لأَرْجُو أَلا يَحْرِمُكَ اللَّهُ الأَجْرَ عَلَى مُصِيبَتِكَ ، فَقُلْتُ لِلْبَائِعِ : مَنْ هَذَا الشَّيْخُ ؟ فَقَالَ : رَجُلٌ مِنَّا مِنَ الأَنْصَارِ مِنَ الْخَزْرَجِ ، فَقُلْتُ : وَمَا قِصَّتُهُ ؟ قَالَ : أُصِيبَ بِابْنِهِ كَانَ بِهِ بَارًّا ، قَدْ كَفَاهُ جَمِيعَ مَا يَعْنِيهِ ، وَمِيتَتُهُ أَعْجَبُ مِيتَةٍ ، فَقُلْتُ : وَمَا كَانَ سَبَبُ مِيتَتِهِ ؟ قَالَ : أَحَبَّتْهُ امْرَأَةٌ مِنَ الأَنْصَارِ ، فَأَرْسَلَتْ إِلَيْهِ تَشْكُو إِلَيْهِ حُبَّهَا ، وَتَسْأَلْهُ الزِّيَارَةَ ، وَتَدْعُوهُ إِلَى الْفَاحِشَةِ ، وَكَانَتْ ذَاتَ بَعْلٍ ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهَا : إِنَّ الْحَرَامَ سَبِيلٌ لَسْتُ أَسْلُكُهُ وَلا أَمُرُّ بِهِ مَا عِشْتُ فِي النَّاسِ فَابْغِي الْعِتَابَ فَإِنِّي غَيْرُ مُتَّبِعٍ مَا تَشْتَهِينَ فَكُونِي مِنْهُ فِي يَاسِ إِنِّي سَأَحْفَظُ فِيكُمْ مَنْ يَصُونُكُمْ فَلا تَكُونِي أَخَا جَهْلٍ وَوِسْوَاسِ فَلَمَّا قَرَأَتِ الْكِتَابَ ، كَتَبَتْ إِلَيْهِ : دَعْ عَنْكَ هَذَا الَّذِي أَصْبَحْتَ تَذْكُرُهُ وَصِرْ إِلَى حَاجَتِي يَأَيُّهَا الْقَاسِي دَعِ التَّنَسُّكَ إِنِّي غَيْرُ نَاسِكَةٍ وَلَيْسَ يَدْخُلُ مَا أَبْدَيْتَ فِي رَاسِي قَالَ : فَأَفْشَى ذَلِكَ إِلَى صَدِيقٍ لَهُ ، فَقَالَ لَهُ لَوْ بَعَثْتَ إِلَيْهَا بَعْضَ أَهْلِكَ فَوَعَظَتْهَا ، وَزَجَرَتْهَا ، رَجَوْتُ أَنْ تَكُفَّ عَنْكَ ، فَقَالَ : وَاللَّهِ لا فَعَلْتُ ، وَلا صِرْتُ فِي الدُّنْيَا حَدِيثًا ، وَلَلْعَارُ فِي الدُّنْيَا خَيْرٌ مِنَ النَّارِ فِي الآخِرَةِ ، وَقَالَ : الْعَارُ فِي مُدَّةِ الدُّنْيَا وَقِلَّتِهَا يَفْنَى وَيَبْقَى الَّذِي فِي الْعَارِ يُؤْذِينِي وَالنَّارُ لا تَنْقَضِي مَا دَامَ بِي رَمَقٌ وَلَسْتُ ذَا مِيتَةٍ مِنْهَا فَتُفْنِينِي لَكِنْ سَأَصْبِرُ صَبْرَ الْحُرِّ مُحْتَسِبًا لَعَلَّ رَبِّي مِنَ الْفِرْدَوْسِ يُدْنِينِي قَالَ : وَأَمْسَكَ عَنْهَا ، فَأَرْسَلَتْ إِمَّا أَنْ تَزُورُنِي ، وَإِمَّا أَنْ أَزُورَكَ ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهَا ارْبِعِي أَيَّتُهَا الْمَرْأَةُ عَلَى نَفْسِكِ ، وَدَعِي عَنْكِ التَّسَرُّعَ إِلَى هَذَا الأَمْرِ ، فَلَمَّا يَئِسَتْ مِنْهُ ذَهَبَتْ إِلَى امْرَأَةٍ كَانَتْ تَعْمَلُ السِّحْرَ ، فَجَعَلَتْ لَهَا الرَّغَائِبَ فِي تَهْيِيجِهِ ، فَعَمِلَتْ لَهَا فِيهِ ، فَبَيْنَا هُوَ ذَاتَ لَيْلَةٍ جَالِسًا مَعَ أَبِيهِ ، إِذْ خَطَرَ ذِكْرُهَا بِقَلْبِهِ ، وَهَاجَ مِنْهُ أَمْرٌ لَمْ يَكُنْ يَعْرِفُهُ ، وَاخْتَلَطَ فَقَامَ مِنْ بَيْنِ يَدَيِ أَبِيهِ مُسْرِعًا ، وَصَلَّى وَاسْتَعَاذَ ، وَجَعَلَ يَبْكِي ، وَالأَمْرُ يَزِيدُ ، فَقَالَ لَهُ أَبُوهُ : يَا بُنَيَّ مَا قِصَّتُكَ ؟ قَالَ : يَا أَبَتِ أَدْرِكْنِي بِقَيْدٍ ، فَمَا أَرَى إِلا قَدْ غُلِبْتُ عَلَى عَقْلِي ، فَجَعَلَ أَبُوهُ يَبْكِي ، وَيَقُولُ : يَا بُنَيَّ حَدَّثَنِي بِالْقِصَّةِ ، فَحَدَّثَهُ قِصَّتُهُ ، فَقَامَ إِلَيْهِ فَقَيَّدَهُ ، وَأَدْخَلَهُ بَيْتًا ، فَجَعَلَ يَتَضَرَّبُ وَيَخُورُ ، كَمَا يَخُورُ الثَّوْرُ ، ثُمَّ هَدَأَ سَاعَةً فَإِذَا هُوَ مِيِّتٌ ، وَإِذَا الدَّمُ يَسِيلُ مِنْ مُنْخَرَيْهِ " .
الأسم | الشهرة | الرتبة |