فَقَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا : " مَنْ زَعَمَ أَنَّ مُحَمَّدًا رَأَى رَبَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فَقَدْ أَعْظَمَ عَلَى اللَّهِ الْفِرْيَةَ ، وَتَلَتْ : لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ سورة الأنعام آية 103 . حَدَّثَنَاهُ عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ ، عَنْ هُشَيْمٍ ، عَنْ دَاوُدَ ، عَنِ الشَّعْبِيِّ ، عَنْ مَسْرُوقٍ ، عَنْ عَائِشَةَ . قَالَ أَبُو سَعِيدٍ : وَأَنْتُمْ وَجَمِيعُ الأُمَّةِ تَقُولُونَ بِهِ : أَنَّهُ لَمْ يُرَ ، وَلا يُرَى فِي الدُّنْيَا ، فَأَمَّا فِي الآخِرَةِ فَمَا أَكْبَرُ نَعِيمِ أَهْلِ الْجَنَّةِ إِلا النَّظَرُ إِلَى وَجْهِهِ ، وَالْخَيْبَةُ لِمَنْ حُرِمَهُ ، وَمَا تَعْجَبُونَ مِنْ أَنْ كَانَ اللَّهُ وَلا شَيْءَ مِنْ خَلْقِهِ ، ثُمَّ خَلَقَ الْخَلْقَ ، ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى عَرْشِهِ فَوْقَ سَمَوَاتِهِ ، وَاحْتَجَبَ مِنْ خَلْقِهِ بِحُجُبِ النَّارِ وَالظُّلْمَةِ ، كَمَا جَاءَتْ بِهِ الآثَارُ ، ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَيْهِمْ رُسُلَهُ ، يُعَرِّفُهُمْ نَفْسَهُ بِصِفَاتِهِ الْمُقَدَّسَةِ ، لِيَبْلُوَ بِذَلِكَ إِيمَانَهُمْ أَيُّهُمْ يُؤْمِنُ بِهِ وَيَعْرِفُهُ بِالْغَيْبِ وَلَمْ يَرَهُ ، وَإِنَّمَا يَجْزِي الْعِبَادَ عَلَى إِيمَانِهِمْ بِاللَّهِ بِالْغَيْبِ ، لأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَوْ تَبَدَّى لِخَلْقِهِ وَتَجَلَّى لَهُمْ فِي الدُّنْيَا لَمْ يَكُنْ لإِيمَانِ الْغَيْبِ هُنَاكَ مَعْنًى ، كَمَا أَنَّهُ لَمْ يَكْفُرْ بِهِ عِنْدَهَا كَافِرٌ ، وَلا عَصَاهُ عَاصٍ ، وَلَكِنَّهُ احْتَجَبَ عَنْهُمْ فِي الدُّنْيَا ، وَدَعَاهُمْ إِلَى الإِيمَانِ بِهِ بِالْغَيْبِ ، وَإِلَى مَعْرِفَتِهِ ، وَالإِقْرَارِ بِرُبُوبِيَّتِهِ لِيُؤْمِنَ بِهِ مَنْ سَبَقَتْ لَهُ مِنْهُ السَّعَادَةُ ، وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ ، وَلَوْ قَدْ تَجَلَّى لَهُمْ لآمَنَ بِهِ مَنْ فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا بِغَيْرِ رُسُلٍ وَلا كُتُبٍ ، وَلا دُعَاةٍ ، وَلَمْ يَعْصُوهُ طَرْفَةَ عَيْنٍ ، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ تَجَلَّى لِمَنْ آمَنَ بِهِ وَصَدَّقَ رُسُلَهُ وَكُتُبَهُ وَآمَنَ بِرُؤْيَتِهِ وَأَقَرَّ بِصِفَاتِهِ الَّتِي وَصَفَ بِهَا نَفْسَهُ ، حَتَّى يَرَوْهُ عِيَانًا ، مَثُوبَةً مِنْهُ لَهُمْ وَإِكْرَامًا ، لِيَزْدَادُوا بِالنَّظَرِ إِلَى مَنْ عَبَدُوهُ بِالْغَيْبِ نَعِيمًا ، وَبِرُؤْيَتِهِ فَرَحًا وَاغْتِبَاطًا ، وَلَمْ يُحْرَمُوا رُؤْيَتَهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ جَمِيعًا ، وَحَجَبَ عَنْهُ الْكُفَّارَ يَوْمَئِذٍ إِذْ حُرِمُوا رُؤْيَتَهُ كَمَا حُرِمُوهَا فِي الدُّنْيَا لِيَزْدَادُوا حَسْرَةً وَثُبُورًا ، فَاحْتَجَّ مُحْتَجٌّ مِنْهُمْ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى لِمُوسَى : لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي سورة الأعراف آية 143 ، قُلْنَا : هَذَا لَنَا عَلَيْكُمْ ، لا لَكُمُ ، إِنَّمَا قَالَ : لَنْ تَرَانِي سورة الأعراف آية 143 فِي الدُّنْيَا ، لأَنَّ بَصَرَ مُوسَى مِنَ الأَبْصَارِ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهَا الْفِنَاءَ فِي الدُّنْيَا ، فَلا تَحْمِلُ النَّظَرَ إِلَى نُورِ الْبَقَاءِ ، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ رُكِّبَتِ الأَبْصَارُ وَالأَسْمَاعُ لِلْبَقَاءِ ، فَاحْتَمَلَتِ النَّظَرَ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بِمَا طَوَّقَهَا اللَّهُ ، أَلا تَرَى أَنَّهُ يَقُولُ : فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي سورة الأعراف آية 143 ، وَلَوْ قَدْ شَاءَ لاسْتَقَرَّ الْجَبَلُ وَرَآهُ مُوسَى ، وَلَكَنْ سَبَقَتْ مِنْهُ الْكَلِمَةُ أَنْ لا يَرَاهُ أَحَدٌ فِي الدُّنْيَا ، فَلِذَلِكَ قَالَ : لَنْ تَرَانِي سورة الأعراف آية 143 ، فَأَمَّا فِي الآخِرَةِ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُنْشِئُ خَلْقَهُ فَيُرَكِّبُ أَسْمَاعَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ لِلْبَقَاءِ ، فَيَرَاهُ أَوْلِيَاؤُهُ جَهْرًا ، كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ : إِنَّا لا نَقْبَلُ هَذِهِ الآثَارَ ، وَلا نَحْتَجُّ بِهَا ، قُلْتُ : أَجَلْ ، وَلا كِتَابَ اللَّهِ تَقْبَلُونَ ، أَرَأَيْتُمْ إِنْ لَمْ تَقْبَلُوهَا ، أَتَشُكُّونَ أَنَّهَا مَرْوِيَّةٌ عَنِ السَّلَفِ ، مَأْثُورَةٌ عَنْهُمْ ، مُسْتَفِيضَةٌ فِيهِمْ ، يَتَوَارَثُونَهَا عَنْ أَعْلامِ النَّاسِ وَفُقَهَائِهِمْ قَرْنًا بَعْدَ قَرْنٍ ؟ قَالُوا : نَعَمْ ، قُلْنَا : فَحَسْبُنَا إِقْرَارُكُمْ بِهَا عَلَيْكُمْ حُجَّةً لِدَعْوَانَا أَنَّهَا مَشْهُورَةٌ مَرْوِيَّةٌ ، تَدَاوَلَتْهَا الْعُلَمَاءُ وَالْفُقَهَاءُ ، فَهَاتُوا عَنْهُمْ مِثْلَهَا حُجَّةً لِدَعْوَاكُمُ الَّتِي كَذَّبَتْهَا الآثَارُ كُلُّهَا ، فَلا تَقْدُرُونَ أَنْ تَأْتُوا فِيهَا بِخَبَرٍ وَلا أَثَرٍ ، وَقَدْ عَلِمْتُمْ ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ ، أَنَّهُ لا تُسْتَدْرَكُ سُنَنُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ ، وَأَحْكَامُهُمْ وَقَضَايَاهُمْ إِلا بِهَذِهِ الآثَارِ وَالأَسَانِيدِ عَلَى مَا فِيهَا مِنَ الاخْتِلافِ ، وَهِيَ السَّبَبُ إِلَى ذَلِكَ ، وَالنَّهْجُ الَّذِي دَرَجَ عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ ، وَكَانَتْ إِمَامَهُمْ فِي دِينِهِمْ بَعْدَ كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، مِنْهَا يَقْتَبِسُونَ الْعِلْمَ ، وَبِهَا يَقْضُونَ ، وَبِهَا يُقِيمُونَ ، وَعَلَيْهَا يَعْتَمِدُونَ ، وَبِهَا يَتَزَيَّنُونَ ، يُوَرِّثُهَا الأَوَّلُ مِنْهُمُ الآخِرَ ، وَيُبَلِّغُهَا الشَّاهِدُ مِنْهُمُ الْغَائِبَ احْتِجَاجًا بِهَا ، وَاحْتِسَابًا فِي أَدَائِهَا إِلَى مَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا ، يُسَمُّونَهَا السُّنَنَ وَالآثَارَ وَالْفِقْهَ وَالْعِلْمَ ، وَيَضْرِبُونَ فِي طَلَبِهَا شَرْقَ الأَرْضِ وَغَرْبَهَا ، يُحِلُّونَ بِهَا حَلالَ اللَّهِ ، وَيُحَرِّمُونَ بِهَا حَرَامَهُ ، وَيُمَيِّزُونَ بِهَا بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ ، وَالسُّنَنِ وَالْبِدَعِ ، وَيَسْتَدِلُّونَ بِهَا عَلَى تَفْسِيرِ الْقُرْآنِ وَمَعَانِيهِ وَأَحْكَامِهِ ، وَيَعْرِفُونَ بِهَا ضَلالَةَ مَنْ ضَلَّ عَنِ الْهُدَى ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْهَا فَإِنَّمَا يَرْغَبُ عَنْ آثَارِ السَّلَفِ وَهَدْيِهِمْ ، وَيُرِيدُ مُخَالَفَتَهُمْ لِيَتَّخِذَ دِينَهُ هَوَاهُ ، وَلِيَتَأَوَّلَ كِتَابَ اللَّهِ بِرَأْيِهِ خِلافَ مَا عَنَى اللَّهُ بِهِ ، فَإِنْ كُنْتُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ، وَعَلَى مِنْهَاجِ أَسْلافِهِمْ ، فَاقْتَبِسُوا الْعِلْمَ مِنْ آثَارِهِمْ ، وَاقْتَبِسُوا الْهُدَى فِي سَبِيلِهِ ، وَارْضَوْا بِهَذِهِ الآثَارِ إِمَامًا ، كَمَا رَضِيَ بِهَا الْقَوْمُ لأَنْفُسِهِمْ إِمَامًا ، فَلَعَمْرِي مَا أَنْتُمْ أَعْلَمَ بِكِتَابِ اللَّهِ مِنْهُمْ وَلا مِثْلَهُمْ ، وَلا يُمْكِنُ الاقْتِدَاءِ بِهِمْ إِلا بِاتِّبَاعِ هَذِهِ الآثَارِ عَلَى مَا تُرْوَى ، فَمَنْ لَمْ يَقْبَلْهَا فَإِنَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتَّبِعَ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ ، وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى : وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا سورة النساء آية 115 ، فَقَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ : لا ، بَلْ نَقُولُ بِالْمَعْقُولِ ، قُلْنَا : هَاهُنَا ضَلَلْتُمْ عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ ، وَوَقَعْتُمْ فِي تِيهٍ لا مَخْرَجَ لَكُمْ مِنْهُ ، لأَنَّ الْمَعْقُولَ لَيْسَ لِشَيْءٍ وَاحِدٍ مَوْصُوفٍ بِحُدُودٍ عِنْدَ جَمِيعِ النَّاسِ فَيُقْتَصَرَ عَلَيْهِ ، وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ كَانَ رَاحَةً لِلنَّاسِ وَلَقُلْنَا بِهِ وَلَمْ نَعْدُ ، وَلَمْ يَكُنِ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَالَ : كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ سورة المؤمنون آية 53 فَوَجَدْنَا الْمَعْقُولَ عِنْدَ كُلِّ حِزْبٍ مَا هُمْ عَلَيْهِ وَالْمَجْهُولَ عِنْدَهُمْ مَا خَالَفَهُمْ ، فَوَجَدْنَا فِرَقَكُمْ مَعْشَرَ الْجَهْمِيَّةِ فِي الْمَعْقُولِ مُخْتَلِفَيْنِ ، كُلُّ فِرْقَةٍ مِنْكُمْ تَدَّعِي أَنَّ الْمَعْقُولَ عِنْدَهَا مَا تَدْعُو إِلَيْهِ ، وَالْمَجْهُولَ مَا خَالَفَهَا ، فَحِينَ رَأَيْنَا الْمَعْقُولَ اخْتَلَفَ مِنَّا وَمِنْكُمْ وَمِنْ جَمِيعِ أَهْلِ الأَهْوَاءِ ، وَلَمْ نَقِفْ لَهُ عَلَى حَدٍّ بَيِّنٍ فِي كُلِّ شَيْءٍ ، رَأَيْنَا أَرْشَدَ الْوُجُوهِ وَأَهْدَاهَا أَنْ نَرُدَّ الْمَعْقُولاتِ كُلَّهَا إِلَى أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَإِلَى الْمَعْقُولِ عِنْدَ أَصْحَابِهِ الْمُسْتَفِيضِ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ ، لأَنَّ الْوَحْيَ كَانَ يَنْزِلُ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ ، فَكَانُوا أَعْلَمَ بِتَأْوِيلِهِ مِنَّا وَمِنْكُمْ ، وَكَانُوا مُؤْتَلِفِينَ فِي أُصُولِ الدِّينِ ، لَمْ يَفْتَرِقُوا فِيهِ ، وَلَمْ تَظْهَرْ فِيهِمُ الْبِدَعُ وَالأَهْوَاءُ الْحَائِدَةُ عَنِ الطَّرِيقِ ، فَالْمَعْقُولُ عِنْدَنَا مَا وَافَقَ هَدْيَهُمْ ، وَالْمَجْهُولُ مَا خَالَفَهُمْ ، وَلا سَبِيلَ إِلَى مَعْرِفَةِ هَدْيِهِمْ وَطَرِيقَتِهِمْ إِلا هَذِهِ الآثَارُ ، وَقَدِ انْسَلَخْتُمْ مِنْهَا ، وَانْتَفَيْتُمْ مِنْهَا بِزَعْمِكُمْ ، فَأَنَّى تَهْتَدُونَ ؟ ، وَاحْتَجَّ مُحْتَجٌّ مِنْهُمْ بِقَوْلِ مُجَاهِدٍ : وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ { 22 } إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ سورة القيامة آية 22-23 ، قَالَ : تَنتْظُرُ ثَوَابَ رَبِّهَا ، قُلْنَا : نَعَمْ ، تَنْتَظِرُ ثَوَابَ رَبِّهَا ، وَلا ثَوَابَ أَعْظَمَ مِنَ النَّظَرِ إِلَى وَجْهِهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ، فَإِنْ أَبَيْتُمْ إِلا تَعَلُّقًا بِحَدِيثِ مُجَاهِدٍ هَذَا ، وَاحْتِجَاجًا بِهِ دُونَ مَا سِوَاهُ مِنَ الآثَارِ ، فَهَذَا آيَةُ شُذُوذِكُمْ عَنِ الْحَقِّ وَاتِّبَاعِكُمُ الْبَاطِلَ ، لأَنَّ دَعْوَاكُمْ هَذِهِ لَوْ صَحَّتْ عَنْ مُجَاهِدٍ عَلَى الْمَعْنَى الَّذِي تَذْهَبُونَ إِلَيْهِ كَانَ مَدْحُوضًا الْقَوْلُ إِلَيْهِ ، مَعَ هَذِهِ الآثَارِ الَّتِي قَدْ صَحَّتْ فِيهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ وَجَمَاعَةِ التَّابِعِينَ ، أَوَلَسْتُمْ قَدْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ لا تَقْبَلُونَ هَذِهِ الآثَارِ وَلا تَحْتَجُّونَ بِهَا ، فَكَيْفَ تَحْتَجُّونَ بِالأَثَرِ عَنْ مُجَاهِدٍ إِذْ وَجَدْتُمْ سَبِيلا إِلَى التَّعَلُّقِ بِهِ لِبَاطِلِكُمْ عَلَى غَيْرِ بَيَانٍ ؟ ! وَتَرَكْتُمْ آثَارَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ وَالتَّابِعِينَ إِذْ خَالَفَتْ مَذْهَبَكُمْ ! فَأَمَّا إِذَا أَقْرَرْتُمْ بِقَبُولِ الأَثَرِ عَنْ مُجَاهِدٍ ، فَقَدْ حَكَمْتُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ بِقَبُولِ آثَارِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ وَالتَّابِعِينَ بَعْدَهُمْ ، لأَنَّكُمْ لَمْ تَسْمَعُوا هَذَا عَنْ مُجَاهِدٍ ، بَلْ تَأْثُرُونَهُ عَنْهُ بِإِسْنَادٍ ، وَتْأَثُرُونَ بِأَسَانِيدَ مِثْلَهَا أَوْ أَجْوَدَ مِنْهَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَعَنْ أَصْحَابِهِ وَالتَّابِعِينَ مَا هُوَ خِلافَهُ عِنْدَكُمْ ، فَكَيْفَ أَلْزَمْتُمْ أَنْفُسَكُمُ اتِّبَاعَ الْمُشْتَبَهِ مِنْ آثَارِ مُجَاهِدٍ وَحْدَهُ ، وَتَرَكْتُمُ الصَّحِيحَ الْمَنْصُوصَ مِنْ آثَارِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ وَنُظَرَاءِ مُجَاهِدٍ مِنَ التَّابِعِينَ ، إِلا مِنْ رِيبَةٍ وَشُذُوذٍ عَنِ الْحَقِّ ، إِنَّ الَّذِي يُرِيدُ الشُّذُوذَ عَنِ الْحَقِّ ، يَتَّبِعُ الشَّاذَّ مِنَ قَوْلِ الْعُلَمَاءِ ، وَيَتَعَلَّقُ بِزَلاتِهِمْ ، وَالَّذِي يَؤُمُّ الْحَقَّ فِي نَفْسِهِ يَتَّبِعُ الْمَشْهُورَ مِنْ قَوْلِ جَمَاعَتِهِمْ ، وَيَنْقَلِبُ مَعَ جُمْهُورِهِمْ ، فَهُمَا آيَتَانِ بَيِّنَتَانِ يُسْتَدَلُّ بِهِمَا عَلَى اتِّبَاعِ الرَّجُلِ ، وَعَلَى ابْتِدَاعِهِ .
الأسم | الشهرة | الرتبة |