وأخبرني إِبْرَاهِيم : أنه لما ولي وافى حمص ، كتب إلى خليفته المستلم لعمله بدمشق يأمره بإعداد طعام له كما يعد للأمراء في العيدين ، وأنه لما وافى غوطة دمشق تلقاه الحيان من مضر ، ويمن ، فلقي كل من تلقاه بوجه واحد ، فلما دخل المدينة أمر حاجبه بإحضار وجوه الحيين ، وأمره بتسمية أشرافهم ، وأن يقدم من كل حي الأفضل فالأفضل منهم ، وأن يأتيه بذلك ، فلما أتاه به أمر بتصيير أعلى الناس من الجانب الأيمن مضريا ، وعن شماله يمانيا ، ومن دون اليماني مضري ، ومن دون المضري يماني ، حتى لا يلتصق مضري بمضري ، ولا يماني بيماني ، ثم قدم الطعام ، فلم يطعم شيئا حتى حمد اللَّه وأثنى عليه ، وصلى على نبيه صلى الله عليه وسلم ، ثم قال : إن اللَّه عز وجل جعل قريشا موازين بين العرب ، فجعل مضر عمومتها ، وجعل يمن خئولتها ، وافترض عليها حب العمومة والخئولة ، فليس يتعصب قرشي إلا للجهل بالمفترض عليه ، ثم قال : يا معشر مضر كأني بكم ، وقد قلتم : إذا خرجتم لأخوانكم من يمن قد قدم أميرنا مضر على يمن ، وكأني بكم يا يمن قد قالت : وكيف قدمكم علينا وقد جعل بجنب اليماني مضريا ، وبجنب المضري يمانيا ، فقلتم : يا معشر مضر ، إن الجانب الأيمن أعلى من الجانب الأيسر ، وقد جعلت الجانب الأيمن لمضر ، والأيسر لليمن ، وهذا دليل على تقدمه إيانا عليكم ، ألا إن مجلسك يا رئيس المضرية في غد من الجانب الأيسر ، ومجلسك يا رئيس اليمانية من غد في الجانب الأيمن ، وهذان الجانبان نوب بينكما ، يكون كل من كان فيه في يومه متحول عنه في غده إلى الجانب الآخر ، ثم سميت اللَّه ، ومددت يدي إلى طعامي ، فطعمت ، وطعموا معي ، فانصرف القوم عني في ذلك اليوم ، وكلهم لي حامد . ثم كانت تعرض الحاجة لبعض الحيين ، فأسأل قبل أن أقضيها له : هل لأحد من الحي الآخر حاجة تشبه حاجة السائل ؟ فإذا عرفتها قضيت الحاجتين في وقت واحد ، فكنت عند الحيين محمودا ، لا أستحق عند واحد منهم ذما ، ولا عيبا ، ولا نبزا ينبز به . .