قَالَ : وأنا قَالَ : وأنا أَبُو حذيفة ، قَالَ : قَالَ يعقوب ، عن عبد اللَّه بْن سليمان ، عن الضحاك الجرمي ، عن هرم بْن حيان ، قَالَ : قدمت الكوفة ، فلم يكن لي هم إلا أويس القرني أطلبه وأسأل عَنْهُ ، حتى سقطت عليه نصف النهار عَلَى شاطئ الفرات يتوضأ أو يغسل ثوبه ، قَالَ : فعرفته بالنعت الَّذِي نعت لي ، فإذا رجل لحيم ، آدم ، أشعر ، محلوق الرأس ، كث اللحية ، مغبرا ، كريه المنظر والوجه ، عليه إزار من صوف ، ورداء من صوف ، فسلمت عليه ، فقلت : حياك اللَّه من رجل ، كيف أنت رحمك اللَّه ، وغفر لك يا أويس ؟ فَقَالَ : وأنت فحياك اللَّه يا هرم بْن حيان ، كيف أنت ؟ قَالَ : وخنقتني العبرة حين رأيت من حاله ما رأيت ، قَالَ : فمددت يدي لأصافحه ، فأبى أن يصافحني ، قَالَ : وعجبت حين عرفني ، وعرف اسم أَبِي ، ما كنت رأيته قبل ذَلِكَ ولا رآني ، قَالَ : قُلْتُ : رحمك اللَّه من أين عرفتني وعرفت اسم أَبِي ، ولم أكن رأيتك قط ؟ قَالَ : نبأني العليم الخبير ، وعرفت روحي روحك حين كلمت نفسي نفسك ، إن الأرواح لها أنفس كأنفس الأجساد يتحابون بروح اللَّه ، وإن لم يتلاقوا ولم يتعارفوا ، وتفرقت بهم المنازل ، قَالَ : فقلت : حَدَّثَنِي بحديث من رسول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أحفظ عنك ، فَقَالَ : إني لم أدرك رسول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، بأبي رسول اللَّه وأمي ، ولم تكن لي معه صحبة ، ولكن أدرك رجالا رأوه فحدثوني عَنْهُ نحو ما حدثوك ، ولست أحب أن أفتح هَذَا الباب عَلَى نفسي أن أكون محدثا قاصا أو مفتيا ، فِي نفسي شغل عن الناس يا هرم بْن حيان ، قَالَ : قُلْتُ : اقرأ علي آيات من كتاب اللَّه أسمعها منك ، وادع لي بدعوات أحفظها عنك ، فإني أحبك حبا شديدا ، فَقَالَ : سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولا سورة الإسراء آية 108 ، فأخذ بيدي فمشى بي عَلَى شاطئ الفرات ، ثُمَّ قَالَ : أعوذ بالسميع العليم من الشيطان الرجيم ، إن اللَّه هُوَ السميع العليم ، بسم اللَّه الرحمن الرحيم وَمَا خَلَقْنَا السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ ، إِلَى قوله : إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ سورة الدخان آية 38 - 42 ، قَالَ : فنظرت إِلَيْهِ وأنا أحسب أنه قد غشي عليه ، قَالَ : ثُمَّ نظر إلي ، فَقَالَ : يا هرم بْن حيان ، مات أبوك ، فإما إِلَى الجنة ، وإما إِلَى النار ، ويوشك أن تموت ، ومات آدم ، وماتت حواء ، ومات إبراهيم خليل اللَّه ، وموسى نجي اللَّه ، ومات داود خليفة اللَّه ، ومات محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وعليهم أجمعين ، ومات أَبُو بكر خليفة المسلمين ، ومات خليلي ، وصفيي عمر بْن الخطاب ، وقال : واعمراه ، واعمراه ، وعمر يومئذ حي ، وذلك عند آخر خلافته ، قَالَ : فقلت لَهُ : إن عمر لم يمت ، فَقَالَ : بلى ، قد نعاه إلي ربي ، إن كنت تفهم ، وعقلت ما قُلْتُ وأنا وأنت غدا فِي الموتى ، وكان قد صلى عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، ثُمَّ دعا بدعوات خفاف ، ثُمَّ قَالَ : عليك بذكر الموت لا يفارق قلبك طرفة عين ، وإياك أن تفارق الجماعة ، فيتفرق دينك وأنت لا تعلم ، فتدخل النار ، ثُمَّ قَالَ : اللهم إن هَذَا يزعم أنه يحبني فيك وزارني فيك ، اللهم أدخله علي زائرا فِي دارك دار السلام ، وضم عليه ضيعته وأرضه من الدنيا باليسير ، وما أعطيته من الدنيا فاجعله لما تعطيه من نعمتك من الشاكرين . ثُمَّ قَالَ : لا أراك فِيمَا بعد اليوم ، فإني كثير الهم ، شديد الغم ، ما دمت مَعَ هؤلاء الناس حيا ، وأكره الشهرة ، والوحدة أحب إلي ، فلا تطلبني ، خذ هكذا . قَالَ : فجهدت أن أمشي معه ساعة ، فأبى علي ، فدخل فِي بعض أزقة الكوفة . قَالَ : فجعلت التفت إِلَيْهِ وأنا أبكي ويبكي حتى توارى عني ، فسألت عَنْهُ وطلبته فلم أجد أحدا يخبر عَنْهُ بشيء ، قَالَ : فما أتت علي جمعة إلا وأنا أراه فِي منامي مرة أو مرتين ، أو كما قَالَ .
الأسم | الشهرة | الرتبة |