أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي مَنْصُورٍ ، أَنْبَأنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ ، وَالْمُبَارَكُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ ، قَالا : أَنْبَأنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ الصَّيْرَفِيُّ ، أَنْبَأنَا أَبُو الْفَضْلِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الشَّيْبَانِيُّ ، أَنَّ عَلِيَّ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ الزُّبَيْرِ الْبَلْخِيَّ حَدَّثَهُمْ ، حَدَّثَنَا خُشْنَامُ بْنُ حَاتِمٍ الأَصَمُّ ، حَدَّثَنِي أَبِي ، قَالَ : قَالَ لِي شَقِيقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْبَلْخِيُّ : خَرَجْتُ حَاجًّا فَنَزَلْتُ الْقَادِسِيَّةَ ، فَبَيْنَمَا أَنَا أَنْظُرُ إِلَى النَّاسِ فِي زِينَتِهِمْ وَكَثْرَتِهِمْ ، نَظَرْتُ إِلَى فَتًى حَسَنِ الْوَجْهِ ، شَدِيدِ السُّمْرَةِ ، فَوْقَ ثِيَابِهِ ثَوْبٌ مِنْ صُوفٍ ، مُشْتَمِلٌ بِشَمْلَةٍ ، فِي رِجْلَيْهِ نَعْلانِ ، وَقَدْ جَلَسَ مُنْفَرِدًا ، فَقُلْتُ فِي نَفْسِي : هَذَا مِنَ الصُّوفِيَّةِ يُرِيدُ أَنْ يَكُونَ كَلا عَلَى النَّاسِ ، وَاللَّهِ لأَمْضِيَنَّ إِلَيْهِ ولأُوَبِخَنَّهُ ، فَدَنَوْتُ إِلَيْهِ ، فَلَمَّا رَآنِي مُقْبِلا قَالَ : يَا شَقِيقُ اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ سورة الحجرات آية 12 . ثُمَّ مَضَى ، فَقُلْتُ فِي نَفْسِي : قَدْ تَكَلَّمَ عَلَى خَاطِرِي وَمَا هَذَا إِلا عَبْدٌ صَالِحٌ ، وَغَابَ عَنْ عَيْنِي ، فَلَمَّا نَزَلْنَا وَاقِصَةَ إِذَا هُوَ يُصَلِّي وَأَعْضَاؤُهُ تَضْطَرِبُ ، وَدُمُوعُهُ تَجْرِي ، قُلْتُ : هَذَا صَاحِبِي ، أَمْضِي إِلَيْهِ وَأَسْتَحِلُّهُ ، فَصَبَرْتُ حَتَّى جَلَسَ ، فَأَقْبَلْتُ ، فَقَالَ : يَا شَقِيقُ اتْلُ : وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ سورة طه آية 82 ، ثُمَّ مَضَى ، فَقُلْتُ : إِنَّ هَذَا لَمِنَ الأَبْدَالِ قَدْ تَكَلَّمَ عَلَى سِرِّي مَرَّتَيْنِ ، فَلَمَّا نَزَلْنَا زَبَالَةَ ، إِذَا بِالْفَتَى قَائِمٌ عَلَى الْبِئْرِ ، وَبِيَدِهِ رَكْوَةٌ يُرِيدُ أَنْ يَسْتَقِيَ مِنَ الْمَاءِ فَسَقَطَتِ الرَّكْوَةُ مِنْ يَدِهِ فِي الْبِئْرِ ، فَرَأَيْتُهُ قَدْ رَمَقَ إِلَى السَّمَاءِ ، وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ : أَنْتَ رَبِّي إِذَا ظَمِئْتُ إِلَى الْمَاءِ ، وَقُوتِي إِذَا أَرَدْتُ الطَّعَامَ ، اللَّهُمَّ يَا سَيِّدِي مَا لِي سِوَاهَا فَلا تُعْدِمْنِيهَا . قَالَ شَقِيقٌ : فَوَاللَّهِ ، لَقَدْ رَأَيْتُ الْبِئْرَ وَقَدِ ارْتَفَعَ مَاؤُهَا ، فَمَدَّ يَدَهُ فَأَخَذَ الرَّكْوَةَ وَمَلأَهَا مَاءً ، وَتَوَضَّأَ وَصَلَّى رَكَعَاتٍ ، ثُمَّ مَالَ إِلَى كَثِيبِ رَمْلٍ ، فَجَعَلَ يَقْبِضُ بِيَدِهِ وَيَطْرَحُهُ فِي الرَّكْوَةِ وَيُحَرِكُهُ وَيَشْرَبُ ، فَأَقْبَلْتُ إِلَيْهِ ، وَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ ، وَقُلْتُ : أَطْعِمْنِي مِنْ فَضْلِ مَا أَنْعَمَ اللَّهُ بِهِ عَلَيْكَ . فَقَالَ : يَا شَقِيقُ ، لَمْ تَزَلْ نِعْمَةُ اللَّهِ عَلَيْنَا ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً ، فَأَحْسِنْ ظَنَّكَ بِرَبِّكَ ، ثُمَّ نَاوَلَنِي الرَّكْوَةَ ، فَشَرِبْتُ مِنْهَا ، فَإِذَا سُوَيْقٌ وَسُكَّرٌ ، فَوَاللَّهِ مَا شَرِبْتُ قَطُّ أَلَذَّ مِنْهُ ، فَشَبِعْتُ وَرَوِيتُ ، وَأَقَمْتُ أَيَّامًا لا أَشْتَهِي طَعَامًا ، ثُمَّ لَمْ أَرَهْ حَتَّى دَخَلْنَا مَكَّةَ ، فَرَأَيْتُهُ لَيْلَةً إِلَى جَنْبِ قُبَّةِ الشَّرَابِ فِي نِصْفِ اللَّيْلِ يُصَلِّي بِخُشُوعٍ وَأَنِينٍ وَبُكَاءٍ ، فَلَمْ يَزَلْ كَذَلِكَ حَتَّى ذَهَبَ اللَّيْلُ ، فَلَمَّا رَأَى الْفَجْرَ ، جَلَسَ فِي مُصَلاهُ يُسَبِّحُ اللَّهَ ، ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى الْغَدَاةَ ، وَطَافَ بِالْبَيْتِ أُسْبُوعًا وَخَرَجَ ، فَتَبِعْتُهُ ، فَإِذَا لَهُ غَاشِيَتُهُ وَأَمْوَالٌ ، وَهُوَ عَلَى خِلافِ مَا رَأَيْتُهُ فِي الطَّرِيقِ ، وَدَارَ بِهِ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِ يُسَلِّمُونَ عَلَيْهِ ، فَقُلْتُ لِبَعْضِ مَنْ رَأَيْتُهُ بِقُرْبٍ مِنْهُ : مَنْ هَذَا الْفَتَى ؟ فَقَالَ : هَذَا مُوسَى بْنُ جَعْفَرٍ . فَقُلْتُ : قَدْ عَجِبْتُ أَنْ تَكُونَ مِثْلُ هَذِهِ الْعَجَائِبِ إِلا لِمَثْلِ هَذَا السَّيِّدِ .
الأسم | الشهرة | الرتبة |